كتاب خريف يقف خلف النافذة – ريتشارد رايت
في خمسينيَّات القرن الماضي، في باريس، المَنفى الذي اختارَهُ الرِّوائيُّ والشَّاعرُ الأمريكيُّ ريتشارد رايت، هَرَبَاً من الاضطهاد المُتزايد للشُّيُوعيِّيْن أو المُتَّهمين بالشُّيُوعيَّة؛ عاودَ رايت اكتشافَ الشِّعْر الذي مارسَهُ في بداية حياتِهِ الأدبيَّةِ في الثلاثينيَّات. لكنه، هذه المرَّة، لم يكن “شاعراً ثوريَّاً” مثلما كان يُوصَف الشُّعراء الاحتجاجيُّون على امتداد القرن الماضي، بل إنه اختار، عن قَصْد أو دون قَصْد، الشكلَ الشِّعْرِيَّ الأبعدَ عن السِّياسةِ والأيديولوجيا والحراكِ الاجتماعيِّ والغضبِ والثَّورة، وهو الهايكو، ذلك الشِّعْرُ الشديدُ التَّقشُّفِ القائمُ على البساطةِ القُصوى وتمثُّل الطَّبيعةِ أو البيئة المُحيطة، ووَصْف أدقِّ سَكَنَاتها، والمشغول بالفَرْد، أو على وجهِ الدِّقَّة بالذَّات الشَّاعرة، بوَصْفها جزءاً لا يُجتَزَأ من الطَّبيعة، عبرَ تجلِّي كلٍّ منهما مرآةً للأُخرى، ومَعبَرَاً منها وإليها.
وخلالَ إقامتِهِ في شُقَّة صغيرة على مقربة من فندقِ البيت Beat Hotel، الذي كان مركزَ لقاءِ بعض أبرزِ شُعراء حركة “البيت” من أمثال وليم بوروز وألن غينسبرغ وغريغوري كورسو، خلال أَوْجِ صُعُودِ تلك الحركة، التقى رايت الشَّاعرَ الجنوبَ أفريقيّ سينكلير بيلز (1930- 2000)، أحدَ الأسماءِ المُهمَلَة نسبيَّاً في تاريخ “حركة البيت”، ومن خلالِ نقاشاتِهِ مع بيلز تعرَّف رايت أكثرَ على شِعْر الهايكو، وفلسفةَ الزِّنْ (تلك التي تُعدُّ رافداً أساسيَّاً من روافدِ حركة البيت)، ولعلَّ تلك النِّقاشات أسهمَتْ في إعادةِ اكتشافِ رايت لشِعْر الهايكو انطلاقاً من اكتشافاتِهِ الأُخرى في ما يخصُّ الإِرْثَ الرُّوحانيَّ الأفريقيَّ.
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب