كتاب ديناميكية الرأسمالية – فرنان بروديل
يطرح بروديل في كتابه هذا مفهوما للرأسمالية ولحركة التاريخ الاقتصادي مختلفا عما هو سائد وهو طرح مثير للجدل والنقاش فهو يميز ما بين الرأسمالية واقتصاد السوق ويتحدث عن اقتصاد عالمي وعن اقتصاد عالم وهما مصطلحان مختلفان تماما اذ يرى أنه يوجد اقتصاديات عوالم مختلفة في العالم تتعايش فيما بينها الا أنه يتوسع في الحديث عن اقتصاد العالم الأوروبي ودوره في الاقتصاد العالمي فلماذا التركيز على الاقتصاد – العالم الأوروبي ؟ ولماذا أوروبا ؟ لأن الفكرة الرأسمالية حدثت في أوروبا انها الثمرة الطبيعية للتطور الاجتماعي والسياسي والاقتصادي التدريجي والمتتابع الذي عرفته الشعوب الأوروبية خلال قرون عدة انها ليست سوى أحد مظاهر طرق العيش في الاقتصاد – العالم الأوروبي الغربي بالتحديد .
انطلق الاقتصاد – العالم الرأسمالي من أوروبا خلال القرن السادس عشر ليطاول العالم أجمع في هذا السياق من التوسع تم اندماج عدد كبير من اقتصاديات العالم في هذا السوق الرأسمالي ودخلت أقسام كبيرة منها في عملية التوزيع العام للعمل وفي حلقة التبادل الدولي داخل اطار العالم – الاقتصاد الرأسمالي .
لقد أدت الثورة الصناعية التي شهدتها أوروبا الحديثة ابتداء من القرن السادس عشر الى ظهور برجوازيات مالية وتجارية تتمتع بثروات هائلة وبشبكات مالية ضخمة تبع ذلك خلق دول قومية تملك قدرات هائلة على الفتوحات الاقتصادية والسيطرة .
ومن أسباب الثورة الصناعية أيضا أن أصبح الدين قضية سياسية غالبا ما يقوم على قاعدة قومية كما هي الحال في بريطانيا التي منذ بداية القرن السابع عشر انتهجت سياسة استعمارية توسعية معتمدة في ذلك على تململ الشعوب في صراعها ضد الأنظمة الاستبدادية في أوروبا ففرضت بريطانيا نفسها على اسبانيا في نهاية القرن السادس عشر وقاومت هولندا في القرن السادس عشر وتجابهت مع فرنسا في القرن الثامن عشر .
مع البدايات الأولى للانتاج الصناعي ظهرت الحاجة الى الاهتمام بمسائل الاقتصاد ومع نهاية القرن الثامن عشر توصل علماء الاقتصاد المنهمكون في اكتشاف أصل الثروات الى اكتشاف شروط وكيفية تراكم رأس المال , الاحتكار والمنافسة , عمل الدولة والمبادرة الفردية , السوق العالمي ومعدل الفائدة …الخ , وقد ترافق ذلك مع ظهور البرجوازيات الوطنية المدعومة لتوسع هذه الرأسماليات الوطنية المزدهرة , وقد شكل تصدير رؤوس الأموال واحدة من أهم الوسائل المتبعة لتأمين الأسواق الخارجية من أجل تصريف الانتاج المحلي .
أما القرن التاسع عشر فقد غير العالم أكثر مما غيرته كل العصور السابقة مجتمعة , خلال هذا القرن وفي ذروة عصر النهضة الأوروبية شكلت أوروبا الغربية الرأسمالية حضارة كونية مركزية مزدهرة تسود العالم وتتعايش مع حضارات أقدم مستسلمة أو تحاول النهوض .
لقد صدمت التحولات الكبرى التي عرفتها أوروبا الحقائق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لبقية العالم واجتاحت المفاهيم السياسية والاقتصادية للغرب الرأسمالي كفكرة الدولة القومية , ومفهوم الحرية والديمقراطية ونظرية قيام المؤسسات الدستورية الضامنة لهما والفصل بين السلطات – ثورات سائر الشعوب الطامحة والتي كانت ترزح تحت نير أنظمة الحكم الامبراطوري وتعيش في اقتصاديات – عوالم منغلقة على ذاتها .
تتكون كل حضارة من مجموعة من العوامل المتداخلة , تشكل وحدة متكاملة لا تتجزأ انها المجال المدرك للعمل التاريخي , نطاق زماني – مكاني حيث كل العناصر متضامنة تقيم فيما بينها روابط تنتهي ما ان نتعدى في الزمان والمكان حدودها .
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب
لمناقشة الكتاب فى جروب قهوة 8 غرب اضغط هنا