كتب السير والتراجم والمذكرات

كتاب ساغان وابنها – ديني ويستهوف

لا يُخطئنَّ أحدٌ الظن. أنا لست كاتباً، ولا أنا بمالكٍ لحقيقةٍ مطلقة. لقد حاولت جاهداً على مدى هذه الصفحات تدوينَ الوقائع التي كنت شاهداً عليها. شاهداً متيقّظاً أحياناً، ومتسليّاً أحياناً أخرى. وحتى شاهداً منبهراً من وقت إلى آخر. ولكنني لم أكُن قطّ شاهداً سلبياً عليها، عديم التأثر. وأيّاً كانت الصبغة التي يصطبغ بها هذا الكتاب من حسن النية، ومن الصدق، ومن الأمانة، ومن التعلّق بوالدتي، فإنه يظلّ انعكاساً لحقيقتي. فالمكانة المميّزة جداً التي شغلتها بقربها تضعني الآن في موقفٍ غير مسبوق تقريباً، ومُلزِم. موقف مصحّحٍ لأخطاء كتّاب السِّيَر. إنني أراهم جيداً، أولئك الذين يتوقعون مني أن يوجّه هذا الكتاب ضربة مكنسة على كل ما سبق أن قيل، وحُوّلَ، وكُرّرَ، حول حياة والدتي منذ سنوات. وأراهم أيضاً جيداً أولئك الذين اندفعوا قبلي في رواية حياة ساغان، والذين لابدّ أنهم يرتعدون الآن.

أُكرر قولي، إنني لا أمتلك الحقيقة المطلقة وغير القابلة للدحض عن والدتي، فإن موقعي بقربها لم يسمح لي بالإفلات من أسطورتها. وربما أخون ضميري لو أكّدت أنني لن أختبئ خلفها أبداً. وإذا كان من الصعب على ولدٍ المقارنة بين والدته وبين أسطورةٍ هائلةٍ إلى هذه الدرجة، فإنه من الصعب أيضاً الدّأبُ على جعل هذه المِرآة المُشوِّهة مُطابقة للواقع إلى أبعد حدٍّ ممكن. إنني لا أمتلك إذن، إن جاز لي التعبير، سوى جزءٍ بسيطٍ من حياة والدتي.

لقد قمت بعمليةٍ حسابيةٍ سريعة. فلو حذفنا اللحظات التي لم أكُن فيها موجوداً بعد، وتلك التي كنت فيها موجوداً إلا أنني بقيت معنّداً على عدم التلفّظ إ بالكلام المغمغم، وتلك التي أبعدتنا فيها الحياة أحدنا عن الآخر، (الأسفار، والغزوات، والتنقل بين البيوت، والفترات العصيبة)، فقد أمضت والدتي نصف حياتها معي. (في حين لو أننا حذفنا هذه الفترات نفسها من حياتي للاحظنا أنني، في يوم رحيلها، كنت قد أمضيتُ أربعة أخماس حياتي معها). وعلى هذا لا أكون شاهداً، مهما كان تيقّظي وموضوعيتي، إلا عن نصف حياةٍ.

تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب

للتحميل اضغط هنا

لمناقشة الكتاب فى جروب قهوة 8 غرب اضغط هنا

كتب من نفس القسم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى