كتاب سيكولوجية الفكاهة والضحك – زكريا إبراهيم
استثارت ظاهرة الضحك من قديم الزمان اهتمام الفلاسفة وعلماء النفس، فعنى بدراستها كل من أفلاطون وأرسطو وشيشرون وديكارت واسبينوزا وهوبز ولوك وفولتير وكنت وهيجل وشوبنهور واسبنسر ورونوفييه وبرجسون وفرويد ومكدوجال وهوفدنج وغير هؤلاء. وليس في وسعنا أن نأتي في هذا الكتاب على تاريخ مفصل لتطور النظريات الفلسفية والسيكولوجية في تعليل الضحك، ولكننا سنعرض لدراسة هذه الظاهرة في ذاتها مع الإشارة بين الحين والآخر إلى بعض النظريات التي قد تعيننا على فهم الدلالة الإنسانية للضحك بصفة عامة. وليس يكفي لمثل هذه الدراسة أن تقف عند حد تعليل الضحك، أو تحديد العوامل الاجتماعية المؤثرة على نمو روح الفكاهة، أو التعرض للبحث في صميم الوظيفة النفسية التي تقوم بها الفكاهة في حياة الأفراد والجماعات، وإنما لابد لها أيضاً من أن تمتد إلى وصف وتصنيف شتى الاتجاهات الذهنية التي ترتبط في العادة بهذه الظاهرة السيكوفسيولوجية المعقدة. ولما كان المنهج التجريبي قد أصبح هو المنهج السائد في شتى ميادين علم النفس الحديث، فقد حاول بعض الباحثين الاستعانة بطرق التجريب المتنوعة في دراسة مظاهر الفكاهة والضحك عند الأطفال والبالغين، والعمل على تحديد شتى العوامل النفسية التى تدخل في تركيب المواقف الهزلية لدى كل جماعة من الجماعات.- حقا أن المنهج التجريبي لم يسمح لنا حتى الآن بأي نقف على الطبيعة الدفينة لظاهرة “الضحك” في جانبيها الفسيولوجي والسيكولوجي، ولكن من المؤكد أن التجارب العديدة التي قام بإجرائها الكثير من رواد علم النفس الحديث قد أسهمت إلى حد كبير في الكشف عن طبيعة العمليات السيكولوجية التي تستلزمها صياغة النكتة، وتذوق الفكاهة، والاستجابة للمنبهات المضحكة. ولا شك أن هذه التجارب جميعاً- مهما اختلفت صورها وتعددت مراميها- إنما هي أدوات علمية يقصد من ورائها الانتقال بالمشكلة من المجال النظري الفلسفي المحض، إلى المجال التجريبي التطبيقي البحت. وليس في وسعنا- بطبيعة الحال- أن نلم في هذه العجالة القصيرة بكل تلك البحوث العلمية الدقيقة التي تعرض أصحابها لحصر هذه العوامل النفسية والاجتماعية العديدة أو بيان تلك الفروق الفردية والجماعية الكثيرة، مما يعمل عمله في إشاعة روح الفكاهة بين الناس، أو في تمايز الأفراد والجماعات من حيث مدى إقبالهم على الضحك، وإنما حسبنا أن نشير هنا وهنالك إلى بعض التجارب العامة التي قد تعيننا على فهم التفاعل الديناميكي الذي يتم بين الفرد والمجتمع في دائرة الفكاهة والضحك (كما يتم في غيرها من دوائر حياتنا العادية).- وسنرى في ختام هذا الكتيب إلى أي حد يمكن القول بأن الضحك يؤدي في حياة الأفراد والجماعات وظيفة نفسية هامة من وظائف الاتزان العاطفي، وكيف أنه السبيل إلى تحقيق ضرب من التكامل النفسي- الاجتماعي.
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب