كتاب عبقرية الكذب – فرانسوا نودلمان
كثيراً ما شكّلت إدانة الكذب من الناحية الأخلاقية عائقاً يحول دون تقدير طابعه المتشعّب المعقّد. وحسبنا أن ننحي الحكم الأخلاقي على الشخص الكذوب جانباً حتى نجد أن معاينة المواقف الكاذبة -بما تنطوي عليه من غنىً ونشاط-أمرٌ شيّقٌ ومثمرٌ. فمثال داروين الذي كان يختبر مشاعر الفرح والألم التي كانت ترتسم على وجه طفله الصغير كي يقوم بتسجيلها في دراسةٍ حول العاطفة لدى الحيوانات، يجعلنا نكتشف المدى الرحيب لعلامات الكذب ولغاته الخاصّة.
تقدّم لنا الحياة اليوميّة مشاهدَ متعدّدة من صنوف الكذب، الخاصة والعامّة، فحقل الخيانات الزوجية يشكل منذ أمدٍ بعيدٍ حقلَ تجاربٍ ترى فيه الطرف الخائن يخترع السيناريوهات الكاذبة، ويحرّف الكلمات ويلغمها”، ويلفّق الحيل الذكية أو الساذجة. والحال كذلك في المشهد السياسي عندما يقوم أحد السياسيين المسؤولين بحلف أغلظ الأيمان على كونه بريئاً. بالطبع -نحن نكظم مشاعرنا غيرةً أو ازدراءً-بقدر ما يصدمنا انتهاك حرمة الحقيقة، ولكنّ التمعّن قليلاً في طبيعة البشر، وألوان خطاباتهم يجعلنا ندرك الغنى المدهش للكذب وأَمَاراته التي لا تنتهي. وحسبنا أن نستطيع -دون تجشُّم روح الصرامة العلمية على الدوام، أو برودة أعصاب الناقد المتهكّم-معاينة قدرة الكذب الإبداعية.
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب