فكر وثقافة وإيديولوجيا
كتاب عن المستقبل (آفاق ممكنة للإنسانية) – مارتن ريس
لاأظنّ أنّ أحداً سيتخالف معي بشأن قلّة الأدبيات الخاصة بمبحث علم المستقبليات Futurology في عالمنا العربي، وربما يمكن للمرء بعد طول تفكّر في هذه الحقيقة أن يخلص إلى قناعة بأننا نفكّر ليومنا بأكثر ممّا نفكّر في مآلات الغد. قد يرى بعضٌ أننا لسنا لاعبين مؤثرين في الجغرافيا السياسية للعالم؛ وعليه فليس من ضرورة ملزمة لأن نتفكّر في مآلات عالمٍ لانساهم في صناعته وتشكيله لأنّ هذا الأمر إختصاص حصري لكبار اللاعبين السياسيين وعمالقة العلم والتقنية في العالم. أرى أنّ هذا الرأي فاسدٌ يجانب أمثولات التأريخ وحقائق الجغرافيا السياسية، وينطلق من قناعات راسخة إستطابت واقع الحال وفترت عزائمها على النهوض بواقعها –مهما بدا عصياً على التغيير–؛ فالأمم –كما الأفراد– تستطيع إحداث إنقلابات جذرية في أحوالها متى ماامتلكت الرؤية والرغبة في التغيير، وليس مثال رواندا عنّا ببعيد.
إنّ العالم العربي، وبرغم كلّ الصور الأقرب إلى العوالم الديستوبية، يحفل بالكثير من البؤر المضيئة والمحاولات الجادة التي تتطلّع لأن تكون مثاباتٍ عالمية في مستقبل لاأحسبه بعيداً عن يومنا هذا. ثمّة أمرٌ آخر بشأن أهمية المباحث الخاصة بالدراسات المستقبلية: المعرفة تسبق الفعل، وهذه حقيقة أظنها تصحّ في كلّ المجالات؛ وعليه إذا أردنا أن نرتفع بوتيرة تطورنا العلمي والتقني لابدّ من معرفة مآلات التوجهات العلمية والتقنية الحالية والتي سيكون لها الأثر الأعظم في تشكيل صورة العالم في المستقبل القريب. هنا تلعب الدراسات المستقبلية دوراً حاسماً في إعادة ترتيب أولويات الإنفاق الإقتصادي على القطاعات التي يُتوقّعُ أن يكون لها الأثر الأعظم في تمكين الإقتصاد وتعظيم دور الفرد والمجتمع معاً.
لاينبغي أن نتناسى بالطبع أنّ بعض جوانب التطوّر العلمي والتقني الحالي والمستقبلي تنذرُ بمفاعيل مهدّدة للحياة البشرية –وربما بلغت مبلغ الكارثة–؛ وعليه سيكون من المناسب –بل الضروري للغاية– معرفة الوسائل التي تتيحُ لنا تفادي مثل هذه المخاطر المعوّقة؛ فنحن –العرب– في النهاية جزءٌ من هذا العالم ولسنا سكّان جزيرة معزولة، والكوارث المستقبلية –إن حدثت– لن تستثني أحداً لأنها كوارث عالمية الطابع globalised بالضرورة.
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب