كتاب عود النعنع – فاتح مدرس
عالم فاتح، كعالم كافكا، مأساوي ومظلم ولكن كافكا يصل بنا إلى درجة اللا جدوى، بينما تحس بأن فاتح، رغم كون الشر يطحن الخير في كل قصصه، ورغم أن أبطال أربع من خمس قصص ينتهون بالموت المجاني، نتيجة الظلم الاجتماعي وجبروت الطبيعة، فإن القارئ يحس بموجة عارمة من السخط والحقد، تتجاوز مرحلة التأثر إلى الفعل، فاللا معقولية عند كافكا يحل محلها عند فاتح آلية العلاقات الطبقية-الإقطاعية الشرقية الاستبدادية في القصص-فهي تضعك أمام العدو وجهاً لوجه، ورغم هزيمة الأبطال المحتومة، فهي هزيمة لا تضع القارئ على حافة اليأس، وإنما على طريق التغيير، فلا معنى هنا لاتهام فاتح بالتشاؤم، فمنطق الموت والمأساة في الفن يتجاوز اليومي ليصبح الرمز للنضال ضد عذابات الإنسان وضد مسببيها.
وإمعاناً في شحن المأساة بأكثر أعماقها حدة، يستخدم فاتح الطفولة المقتولة كذبح للبراءة في نظام لا إنساني مطلق الاستغلال فبطلة “عود النعنع”، قصته العظيمة الأولى، يجرف النهر الطفلة علو وهي تحاور قطع عود من النعنع لتداوي به أمها المصابة بالملاريا، بعد أن رفضت زوجة الآغا-قاتل أبيها- إعطاءها حبة كينا. والطفل عليوي أحد بطلي قصته “النهر” يجرفه الفرات وهو يحاول اجتيازه لينقذ أخته التي خطفها “الأفندية” إلى حلب. والطفلة الصغيرة في “الغراف” تبقى الشاهد الوحيد على موت أمها المأساوي التي تحوم حول جثتها الكلاب.
وفي “رشواغا” تتعدى الفاجعة رشو نفسه لتنسحب على بنته الصبية (الطفلة تقريباً) لتباع كصفقة يمنح بها حريته رغماً عنه ويلقي به-حراً-أمام الجوع والموت. وفي “خير والعوج” الأجير الذي جن من ضربة غادرة لوكيل الآغا ينتهي به الأمر إلى دولاب التراكتور الحديدي تاركاً عائلة وأطفالاً وأما عجوزاً.
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب