كتاب فارس القديمة (550 ق م – 650 م) – يزف فيزهوفر
عندما يقرر المرء تحديد أشكال إستمرارية التاريخ والحضارة الفارسيتين على صور أخرى غير تلك التي تصورها نحوته، وحتى عندما يجد سبيتاماس أن نقد النظرية اليهودية إنما يعود إلى حروب الفرس، بما كان مفهوماً، غير أنه مغلف، مغش، فإن كلا الشاهدين يوضحان بلا ريب، الدوافع الأساس لدى مؤلف هذا الكتاب عن الفرس، إنها تقديم صورة إجمالية تقوم على أساس صلب للحضارة الإيرانية قبل الإسلام، وفي الوقت ذاته، وحيث أمكن ذلك، إتاحة الفرصة لإيران لكي يأتي دورها للكلام، من خلال شواهدها ذاتها، وبالتالي في ” الصورة “. والحق أن فارس القديمة فتنت الأوروبيين، مثلما فتننت الإيرانيين في كل العصور، ومع ذلك فقد بقيان في العقود الأخيرة إهتماماً آخذاً في الإزدياد. لقد أدرك الناس في أوربة أن الحضارة الغربية ليست إلا حضارة بين حضارات أخرى، في عالم مقيد بكثير من المشكلات المشتركة، ولاسيما الثقافية. والحق أنه كان ناجحاً في المضمار الإقتصادي والسياسي على وجه الخصوص، وكان قادراً على التكيف مع الظروف إلى حد يبعث إلى الدهشة، غير أنه لم يكن ” إنمودجياً ” في كل شيء. وذلك أن محاولة التحرر من النظرة الأوربية حصراً إلى الأشياء، ومحاولة الأوروبيين أن يشكوالأنفسهم من الوجهة الفكرية، طريقاً، أو مدخلاً جديداً أيضاً إلى الحضارات الأجنبية، جرفت معها في هذه الأثناء، تاريخ الحضارات القديمة مثل حضارة فارس القديمة. من هنا تأتي أهمية هذا الكتاب الذي يحاول المؤرخ من خلال عرض صورة إجمالية لـ ” فارس القديمة ” تأتي ضمن أساس مفهوم فارس الشامل، دون أن يعني إحالة ذلك إلى أراضي الدولة القومية الحالية وحدها، بل إلى إمبراطورات الأخمينيين، والساسانيين، مع أن بعض هذه البقاع تشكل اليوم أجزاء من أقاليم دولة أفغانستان وباكستان وتركمستان وأوزبكستان وطاجيكستان، وقيرغيزمستان، ومن ذلك أن أعداداً لها شأنها من البكتريين الذين كانوا في دولة الأخمينيين هم اليوم في أفغانستان، وأن منطقة الدولة الأولى العائدة للأرزاكيين في فرتيا هي اليوم في تركمانستان، أو أراخوسيا ذات الأهمية البالغة لتاريخ الزدشتيه، وهي اليوم في أفغانستان أيضاً. ومن أجل فهم خصوصيات الحضارة الإيرانية القديمة، كان لابد للمؤرخ في تناولها ضمن حديثه عن تاريخ فارس إذ أن العلاقة بهذه المناطق وتقويم أولئك الذين إستوطنوا هناك، ولا سيما أهل البحث في الآثار، أمراً لا سبيل إلى التخلي عنه. ومن ناحية ثانية، ومن حيث المنهجية في هذا التاريخ فإنه وعلى النقيض في معظم العروض الوجيزة التي تم تقديمها حتى الآن للتاريخ والحضارة الإيرانيين اللتين يجري تصورهما بأسلوب يجمع بين الترتيب الزمني وتاريخ الأحداث، فإن المؤرخ كان في مؤلفه هذا أقرب إلى التحليل المنهجي من خلال طرح الأسئلة، وتقديم مناهج وخطوات إلى المعرفة، ويعالجها. وهو إلى ذلك يود ومن خلال كتابه هذا مخاطبة دائرة واسعة من القراء، وقبل كل شيء ضلك الجمهور المثقف ثقافة كلاسيكية. بالإضافة إلى باحثين ودارسين ممن لديهم الرغبة في إلقاء نظرة عامة شاملة على إتجاهات البحث الجديد، وأشكال طرح الأسئلة في إطار البحث، ونتائج هذا البحث. وايضاً يود المؤرخ مخاطبة قراء آخرين ليس لديهم إلا قليل من المعلومات السابقة بدافع الإهتمام بحضارات الشرق القديم إلى هذا الكتاب، ويظنون بعد قرائته انهم قرأوه وقد كسبوا ويكون الكتاب بذلك قد إستوفى حقه التي جاءت على مستوى معالجته وطروحاته وأفكاره وقبل كل شيء مادته الفنية الموثقة.
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب