كتاب فكرة الألوهية عند أفلاطون وأثرها في الفلسفة الإسلامية والغربية – مصطفى النشار
يحتل أفلاطون بين فلاسفة العالم مكانة خاصة لم يرق إليها أحد من قبله ولا من بعده، فهو الذي رسم للتفلسف منهجه الحق، وكان خير من طبق هذا المنهج. وما ذلك المنهج إلا أن أفلاطون قد رأى أنه لا يمكن القطع بأي رأي حول أي موضوع من موضوعات الفكر البشري ببساطة ودوجماطيقية. وقد اتضح ذلك من محاوراته، فهي خير تعبير عن تطبيقه لذاك الرأي.
ولعل ذلك المنهج الأفلاطوني هو الذي حير الباحثين في فلسفته منذ القدم، إذ أنه قد أدى إلى فتح الطريق أمام اجتهادات كل منهم ليفهم أفلاطون كما يحلو له، بالتركيز على بعض المحاورات دون بعضها. وتلك الاجتهادات قد أدت إلى اختلاف التفسيرات حول فلسفته.
وإذا كان ذلك كذلك في كل مجالات تلك الفلسفة الأفلاطونية فإنها تبدو بوجه خاص في مجال البحث حول الألوهية عنده، مما حدا بالباحثين منذ القدم إلى عدم إفراد فصول مستقلة لدراسة فهم أفلاطون للألوهية، إما هروباً من صعوبة بحثها لديه، غذ أنها مرتبطة لديه بكل أجزاء فلسفته أو إغفالاً منهم لأهم جانب من جوانب تلك الفلسفة، التي إن بحثت في أي جزء منها وجدت ذروته مرتبطة بالألوهية.
وهذا يرجع في النهاية إلى عالم المثل الذي افترضه أفلاطون، وجعله موطن الحقيقة المطلقة هي المعرفة الحقيقية وما عداها ظن ووهم. فإذا حاول أحد البحث في الأخلاق عند أفلاطون وجد نفسه منساقاً إلى مثال الخير، وإذا حاول البحث في الفن وجد نفسه منساقاً إلى النظر في مثال الجمال ومثال الحب، وإذا حاول البحث في السياسة وجد نفسه منساقاً إلى معرفة مثال العدالة وهكذا.. أما إذا كانت المحاولة بحثاً عن الألوهية لديه فإن الباحث يجد نفسه منساقاً إلى البحث المضني في كل هذه المثل لأنها جميعاً متصفة بالأزلية والأبدية، ومحاطة بأسمى آيات التقدير والسمو لدى أفلاطون وكل منها يمثل إما إلهاً أو صفة لذلك الإله على أقل تقدير.
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب