كتاب في الحل والترحال (عن أشكال التيه المعاصرة) – مشيل مافيزولي
يسهب هذا الكتاب «الحل والترحال» لميشيل ما فيزولي «ترجمة عبدالله زارو وصادر عن دار إفريقيا الشرق، الدار البيضاء»، في الحديث عن أشكال النزوع إلى التيه، بصفتها عنصراً مركزياً في أي فهم ممكن لتشكل الحياة الاجتماعية، ليكشف أن كل بنية ثابتة وقارة بحاجة إلى نقيضها حتى تقوي وجودها.
إن الرغبة في التيه، وبشتى الطرق التي تمارس بها، أكانت معلنة أم كتومة، هي أحد الأقطاب الأساسية في كل صياغة للبناء الاجتماعي. إنها رغبة في التمرد على الآلية الوظائفية، وتقسيم العمل والإفراط في التخصصية التي تجعل من كل فرد مجرد عجلة تدور داخل الدولاب الصناعي الأكبر الذي هو المجتمع.
التيه هو النزوع إلى التسكع الذي يعبر في عمقه عن سلوك احتجاجي ضد إيقاع حياتي مصوب نحو الإنتاج ولا شيء غيره.
أياً كان الاسم الذي نعطيه لهذه الظاهرة، ظاهرة التنقل من مكان إلى آخر«تيه، ترحال، تجوال، تسكع…» فإنها منتشرة في الطبيعة الإنسانية ذاتها فردية أو اجتماعية. إن مفهوم الترحال هو من العبارات الأكثر بداهة وقدرة على التعبير عن هذا الوقت الذي يمر، وعن الزوال الضروري لكل الأشياء وفنائها التراجيدي الذي لا مرد له، وعلى هذه الأرضية الثابتة للترحال ينتصب هذا الخليط من الجاذبية والامتعاض الذي يمارسه علينا كل ما له صلة بالتغير. وفي حوزتنا اليوم متن زاخر من الأحاكي والأشعار وأعمال الخيال حول هذا الموضوع، وتنبغي الإشارة هنا إلى أن من خواص القدر الأساسية استعصاؤه على التحكم والتوجيه.
مأساة هذا القرن، بحسب الكتاب، تكمن في ذلك الشرخ الذي يتسع بين الذين يعيشون العالم وفي العالم والذين يتكلمون عنه أو يتوهمون أنهم يمارسون تأثيراً عليه. شرخ يتردى فيه كل «الديماغوجيين» الذين يحبكون خطباً وخطابات حول الكراهية والعنصرية ومعاداة الأجنبي. مأساة حتمية ولا مرد لها.
يذكر ما فيزولي أن للتية قدرة تأسيسية لكل مجموعة اجتماعية، «إضافة إلى أنه يترجم جيداً التعدد الكامن في الشخصية الإنسانية والازدواجية الطابعة للوجود». كما أن التيه يتخذ أشكالاً من التعبير عن نفسه عبر ثورات عنيفة أو كتومة «ضد النظام القائم والمستقر ويسمح لنا بفهم حالات تمرد مسجلة في أوساط الشبيبة. تلك الحالات التي بدأنا بصعوبة ندرك هولها وضخامتها ولم ننته حتى الآن من تقدير آثارها وعواقبها».
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب