كتاب في الرواية ومسائل أخرى – إميل زولا
وانتهى الأمر بفلوبير إلى الخوف من الكلمات، إذ كان يقلّبها بمائة طريقة، ويرمي بها جانباً إذا لم تكن قادرة على إدخال فكرته على الصفحة التي يكتبها. وذاتَ يومِ أحدٍ، وجدناه ناعساً وقد هدّه التعب. ففي عشية ذلك اليوم، بعد الظهر، كان قد أنهى صفحة من «بوفار وبيكوشيه»، وكان مغتبطاً بها تماماً، وذهب لتناول العشاء في المدينة، بعد أن قام باستنساخها على ورق هولنديّ كبير القطْع كان يستخدمه آنذاك. وحينما عاد إلى داره، في منتصف الليل تقريباً، وبدلاً من الذهاب إلى سريره، رغب في إعادة قراءة تلك الصفحة. لكنّه بقي منذهلاً، لأنّه عثر على تكرار كان قد أفلت منه، على مسافة سطرين. ومع أنّه لم يكن هناك من مدفأة في مكتبه، والجوّ بارد تماماً، أصرّ على التخلّص من ذلك التكرار. ثمّ لاحظ كلمات أخرى لم ترقْه، لكنّه كان عاجزاً عن تغييرها كلّها، لذا كان مرغماً على الذهاب إلى سريره، يائساً. وفي السرير، كان من المستحيل عليه أن يغفو، فرجع ثانية إلى تلك الصفحة، وهو يفكّر بتلك الكلمات… جاء بالصفحة إلى سريره، وغطّى أذنيه بوشاحه وتدثّر جيّداً بغطائه، وظلّ على هذه الحال حتّى الصباح وهو يعالج صفحته، التي نخرَها من كثرة التشطيبات التي ألحقها بها. تلك كانت طريقته في العمل. كلّنا يتملّكنا مثل حالات الهيجان هذه؛ بيدَ أنّ حالات هيجانه هو كانت تلاحقه من أوّل كتبه حتّى آخرِها.