فكر وثقافة وإيديولوجيا
كتاب في الموسيقى والأدب – نجيب المانع
في منتصف الليل بالشارع، ومن خارج حائط غرفة سميك، مبني بطابوق اللبن الطين، تسمع نساء البيت في داخله، الجالسات حول منقلة فحم جمره يخبو، ضرباتِ قبضة الصبي بالحائط عائدا من سهرته.
تحصل بين النسوة، المتسامرات ألمتدفئات في الغرفة، حركةٌ متوقعةٌ فرحة، وتنهض من بينهن امرأة قاربت الاربعين، معروفة بالتضحية ونكران الذات، ملبية نداء الصبي، الذي يعرف كيف يوصله، في ذلك البيت المترامي الاطراف، الخالي من الكهرباء. تسرع المراة المضحية دوما، بخفة نبيلة، جعلتها امّاً ثانية باستحقاق، وسماها الصغير والكبير هناك ب (الامّ فطومة). تلتقط فانوسا نفطياً في طريقهاً قابعاً في زاوية، كمن تقطفه، رافعة له باتجاه الباب الخارجي لتفتحه له.
لن تنجز مهمتها بصورة خاطفة، سيما انها كانت جالسة في بيت الحريم وعليها ان تعبر البيت الثاني المخصص للرجال، الفارغ معظم الوقت، الذي يطلق عليه هناك عندهم باسم (الديوانية)، واصلةً الباب العريض الدرفات. تتجة بخطاها الحثيثة الدؤوب اليه، حريصة الاّ ينفد صبر ذلك الصبي الصغير ببرد الشتاء الصحراوي الجاف في ناحية الزبير بمدينة البصرة. لن يكون ممكنا سنة 1938 ان يضع الاخير مفتاح البيت بجيبه، كون المفتاح ثقيلا، طوله يقرب من الستة بوصات، كما من الصعب سماع قرع مطرقة الباب الحديدية الثقيلة لبعد المسافات بين الباب وتلك الغرفة الدافئة حيث النسوة الجالسات.
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب