كتاب في ضيافة كتائب القذافي (قصة اختطاف فريق الجزيرة في ليبيا) – أحمد فال بن الدين
كنت أفكر بسرعة خفقان قلبي في طبيعة ما ينتظرني، كنت أتوقع كل شيء، أحسست في تلك اللحظة وأنا أقاد كسقط المتاع ممنوعاً من أبسط نعم الله عليّ – نعمة البصر! شعرت بقيمة العمل الذي من أجله اعتقلت، ومن أجله قد أعدم خلال ثوان، تمثلت أمامي في تلك اللحظات كل القيم المحلقة التي من أجلها انتفضت ليبيا قبل عدة أسابيع، إلا ما أغلى معاني الكرامة الإنسانية، أحسست أني واحد من آلاف العرب الذين يساقون إلى المقاصل ليدفعوا ضريبة عودة أمتهم إلى مسرح التاريخ.
كانت كل خطوة أخطوها موقعة بآلاف الأخيلة والصور البعيدة والقريبة، الواضحة والقائمة، الدالة والسخيفة، هل سأدخل غرفة من غرف التعذيب المجهولة التي عجز الخيال العربي المجنح طيلة الخمسين عاماً الماضية عن وصف بشاعتها؟ هل أراها أخيراً رأي العين بعد كل ما قرأت عن أهوالها ممارسته أخيلة الأدباء والشعراء ومجازات البلغاء؟ هل ســ”أفتح” عيني حين أفتحها” على إحدى الغرف التي وصفها “عبد الرحمن منيف” في شرق المتوسط، هل سأفتح عيني لأرى رجالاً معلقين تطفأ السجائر في أجسادهم بينما يتمايل الجلاد تملأ ضاحكاً، والضحية تتلوى بين يديه، روحاً تئن؟ هل أنا داخل سجن تازمامارت الليبي وسأكابد كل ما كابده أحمد المرزوقي من تزممات: الزنزانة رقم 10…. ثم وقفت معصوب العينين مرتاع الفؤاد مشتت الفكر داخل غرفة التحقيق، رغم الفزع الذي كان ينتابني خوفاً من لحظة النهاية أو لحظة التعذيب، كان هناك شعور موازٍ بملأ نفسي بهجة وثقة بالنفس.
ألا ما أعجب النفس الإنسانية! كنت أحس بدفء عارم كلما تذكرت أني أسير إلى المصرع في لحظة تكثفت فيها عناصر التاريخ في بلاد بني قومي، أفقت من كل ذلك على وقع صوته طارقاً طبلة أذني أول مرة! صوت حاد فيه نحول ومكر وخبث، صوت تلمس الشك في تضاعيفه حتى ليخيل إليك أن كل نبرة فيه تشكك في حقيقة وجود أختها… كان صاحب الصوت ضابط مخابرات ليبيا سيشرف على التحقيق معي ومع زملائي حتى النهاية…”
تلك كانت بداية الرحلة… رحلة مع العذاب في السجون الليبية، حيث يروي أحمد فال بن الدين قصة اختطافه ضمن فريق الجزيرة عندما كانوا يؤدون مهمتهم في تغطية الأحداث هناك أثناء غضبة الشعب وثورته ضد معمر القذافي…
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب
لمناقشة الكتاب فى جروب قهوة 8 غرب اضغط هنا