كتاب كلاب من قش – جون غراي
جاء أوّل نقد للإنسانويّة، وهو نقدٌ لا نظير له حتى يومنا هذا، على يد آرثر شوبنهاورArthur Schopenhauer. تقاعَد هذا العازب الشّرس في مدينة فرانكفورت عام 1833 حيث أمضى العقود الأخيرة من حياته المنعزلة، وكان قد اختار المدينة لأنها بحسب اعتقاده «لا فيضانات فيها»، وفيها «أفضل المقاهي»، «وطبيب أسنان ماهر، وأطباء بشريّون أقلّ سوءًا من غيرهم»؛ وهو الذي نقل طريقتنا في رؤية أنفسنا إلى نقطة صراع ما زال يتعيّن علينا حلّها.
حظي شوبنهاور قبل نحو قرنٍ من الزمن بنفوذٍ واسع النطاق، إذ تأثّر العديد من الكتّاب بشكل كبير بفلسفته، ومن بينهم توماس هاردي Thomas Hardy وجوزيف كونرادJoseph Conrad وليو تولستوي Leo Tolstoy وتوماس مان Thomas Mann؛ كما تشرّبت أفكارَه أعمالُ العديد من الموسيقيّين والرسامين، مثل شوينبرغ Schoenberg ودي شيريكوde Chirico . وإذا ما كان حضورُه لدى القرّاء محدودًا في وقتنا الحاضر، فمردُّ ذلك إلى قلّة المفكّرين الحديثين الذين يتّخذون خطًّا يعارض بقوة عصرهم وعصرنا. استخفّ شوبنهاور بأفكار التحرّر العالمي التي كانت آخذةً في الانتشار على امتداد أوروبا منتصف القرن التاسع عشر.
وكان من الناحية السياسيّة ليبراليًّا رجعيًّا، جلّ ما ينتظره من الدولة هو أن تحمي حياتَه وممتلكاته، ونظر إلى الحركات الثوريّة في عصره بمزيجٍ من الرّعب والازدراء، حتى أنه وهب منظار المسرح خاصّته ليستخدمه رجال الحرس كمنظار بندقية قناصة لدى إطلاقهم النار على حشدٍ أثناء المظاهرات الشعبية لعام 1848.
لكنّه ازدرى مع ذلك الفلسفة الرسمية السائدة في حينه، إذ رأى في هيغل Hegel – وهو الفيلسوف الأكثر تقديرًا في أوروبا وصاحب التأثير الهائل في المفكرين اللاحقين أمثال ماركسMarx – مجرّد مدافعٍ عن سلطة الدولة لا أكثر.
اتّسم شوبنهاور في حياته الشخصية بالتحفّظ ورباطة الجأش، وامتلكَ حسًّا عميقًا بمخاطر الحياة البشرية، فكان ينام وإلى جانب سريره مسدّسات محشوّة بالطلقات، ويرفض السماح لحلّاقه بحلاقة رقبته. أحبّ الرّفقة، لكنه غالبًا ما كان يُفضِّل رفقةَ نفسه، ولم يتزوّج قط، وإن كان ذا نشاط جنسيّ كبير في ما يبدو.
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب