كتاب كلام البدايات – أدونيس
على الرغم من الفترة الزمنية التي تفصلنا الآن عن الشعر الجاهلي (حوالي عشرين قرناًُ) وعلى الرغم من التغيير الذي طرأ على الحياة الاجتماعية والثقافية، وعلى الرغم من الإبداعات الشعرية الكبيرة التي تحققت، وبخاصة في العصر العباسي، وعلى الرغم من التشكيك بصحة الشعر الجاهلي، أو القول بانتحال بعضه، على الأقل، وعلى الرغم من كل هذا كل لا يزال الشعر الجاهلي لدى العرب أصلاً ونموذجاً. ان في هذا ما يؤكد الضرورة التي تدعو إلى الطرح من جديد الأسئلة الأساسية الأولى في ما يتصل بالشعر الجاهلي أولاً، وفي ما يتصل ثانياً بالعلاقة بيننا وبينه ضمن هذه المناخات يأتي نقاش أدونيس، في كلام البدايات حول الشعر الجاهلي، متخذاً من جملة تساؤلات ساحة فكرية قابلة للتمادي والتوغل أكثر من حقول مطارحاته لهذا الموضوع.
من هذه الأسئلة مثلاً: لماذا يهمنا الشعر الجاهلي؟ وكيف يهمنا وبماذا؟ هل تقرأ هذا الشعر كما كان يقرأه أسلافنا، بحسب حياتهم وعصرهم، أم نقرؤه بحسب حياتنا وعصرنا؟ هل يجب أن نلح على ما يجمعنا بهذا الشعر، أم على ما يميزنا عنه ويفصلنا؟ هذه الأسئلة فتحت الباب على أسئلة أخرى: ماذا كان هذا الشعر يمثل بالنسبة إلى معاصريه؟ وما معناه ودلالته آنذاك، وما علاقة حداثتنا بهذا القوم؟ وتكمن أهمية هذه الأسئلة وما يجري مجراها في أنها تتيح قراءة الشعر الجاهلي قراءة مغايرة، يمكن على ضوئها تحديد الصلة التي تربطنا به وكيفيتها ومداها، إضافة إلى ذلك، فإن هذه الأسئلة أهمية أخرى تكمن في أنها تضع الشعر الجاهلي في إطار حديث تساؤلي. والكاتب لا يزعم أنه يقدم أجوبة عن هذه التساؤلات أو الأسئلة التي طرحها، فما لديه لا يعدو في كونه تأملاً يمارسه في أفق من إعادة النظر والتساؤل في منزل عن الكلام السائد على الشعر الجاهلي، وفي إطار العمل على كتابة تاريخ جديد للشعر الجاهلي بوصفه ودلالة وتعبيراً، أي بوصفه نظاماً فنياً ونظاماً للمعنى.
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب