كتاب لو أنني كنت مايسترو – إبراهيم نصر الله
“إنتظرني إذن فيًّ، سوف أوافيك بعد قليل، خرجت صباحاً لألقاك فيك ولكني لم أعد بعد. أجلس هنا وأستعر دفتري ودواتي وأكتب قصيدتك الآن عن حُلُمٍ ذاهب للقائك وأقرأ كتابي الأخير. أقتبس منه مالم أقله لغيرك، وأغفُ قليلاً إذا شئت حتى أعود، فبل خمس دقائق مرّ الجنود، قبل خمس دقائق كانوا هنا، يعبثون بقلبي وهم يسألون، ويستجوبوبن الهواء لكي يستبيحوا جمالك، أنتظرني هنا فيَّ، سوف أوافيك بعد قليل، أنا ذاهب كي أموت مكانك، في البعيد هناك، طرق تتعرج صاعدة، لتفتش عن خطوة وصلت قبلها، ذات يوم، أعالي الجبال.
في البعيد هناك شجر مثقلٌ بالثمار يميل صباحاً إلى مدن خالية من خطى العابرين وطعم السؤال.
في البعيد هناك طائرٌ يُنشد الأغنيات كعادة كل الطيور الطليقة عن ظهر قلب وما فاض من أغنيات يعبئُها في السلال!
في البعيد هناك غابةٌ تتفَّلت من نفسها ربما ذات يوم ستجتاز بحراً وصحراء منسيةً…وتلال.
في البعيد هناك الخطايا الصغيرة في ظلِّ معبدها، وهناك الصلاة، الكتاب، التنسُك، والأرض ممتدة تحت وحشِ الرَّدى وهبوب النِّصال.
في البعيد هناك، واحة سقطت من يباس السَّحاب، ولم يبق منها سوى حجلات تصيح وحنجرة من رمال.
في البعيد هناك، سفن لا تعود إلى أصلها سفناً كلما حملت للبعيد رجالاً وعادت محملة بالظلال.
في البعيد هناك خطايا-حلال، حلالٌ – ضلال، ووقعُ غيابٍ – حضور، ووقع حضور – خيال.
في البعيد هناك على ضفة لم أصلها، أنا واقفٌ أتطلع صوبي هنا، وأفكر بي وكأني غيري، وأكتب ماقاله عن ظلامي وعن ضحكاتي وعن صرخاتي وعن كل ماقيل أو سيقال.
في البعيد هناك مر قلبي مرور الغريب وعاش، أصادفه بين حين وحين، فيجري إليَّ كطفل ملاك، ربما كان قلبي أنت إذن، ربما كان قلبي أيضاً سواك! في البعيد هناك “.
وكأن الشاعر قيثارة تصدر أنغامها كلما داعبها نسيم وسرى في أوصالها هواء. وشعره إنما هو ألحان شجية عذبة تتشكل معانٍ وعبارات، وصور وخيالات، وحتى رموزاً تسير على وقع يسري في الداخل مشكلاً صدى يملأ أرجاء النفس موسيقى تسمو بالروح والمشاعر إلى حيث الإرتقاء.
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب