كتاب محاضرات في الأيديولوجيا واليوتوبيا – بول ريكور
لا يكاد نتاج أي مفكر في العالم اليوم يتجاوز عمل بول ريكور في السعة. ورغم أنه عُرف أساساً بفضل كتاباته عن الرمزية الدينية (رمزية الشر) وعن التحليل النفسي (فرويد والفلسفة) فإنه عمله في هذا الكتاب يشمل في الواقع مجالات واسعة ومتنوعة من الخطاب: نظريات التاريخ، المدخل التحليلي في فلسفة اللغة، الأخلاقيات، نظريات الفعل، البنيوية، النظرية النقدية، اللاهوت، والسيمائية، علم النفس، الدراسات التوراتية، نظرية الأدب الظاهراتية. وعند قراءة محاضرات الأيديولوجيا واليوتوبيا يكون من السهل الاستغراق في الموضوع الذي تصدى له بول ريكور سواء كان الكتابة الفرنسية للتاريخ أو علم دلالة الفعل أو الأنموذج (الطوبولوجي) الذي يقدمه فرويد.
من السهل أن تغيب عن المرء حقيقة أن هذه الموضوعات تمثل في الغالب جزءاً من مشاريع أوسع. يمكن أحياناً أن يشير ريكور في نهاية مقالة من مقالاته هذه بأنه الآن فقط بلغ أُفق بحثه-وسوف يتوقف عنده-كما أنه يتحدث في نقاط أخرى عن المنعطف-وهو مصطلح أثير لديه-الذي يمثل المركز المقال بأكمله، ويسمح له في الفقرة الأخيرة من بلوغ غايته المنشودة عبر طريق غير مباشر، وكتاب ريكور عن فرويد مثال بارز على ذلك، فليس الكتاب عن فرويد بقدر ما هو مشغول بتناول طبيعة التأويل.
هذه المشروعات الشاملة المهيمنة لا تكون دائماً ماثلة أو سهلة التحديد، لكنها رغم سعة نتاج ريكور متواصلة ويمكن القول بأنها ليست في نهاية المطاف دينية أو تحليلية نفسية أو لغوية، بل ذات طبيعة فلسفية تصح هذه النقطة على محاضرات ريكور عن الأيديولوجيا واليوتوبيا، التي هي طيّ هذا الكتاب، كما نصح على عمل فرويد والفلسفة.
فالقراء الذين يبحثون عن تحليلات مفصلة الأيديولوجيات أو يوتوبيات محددة سيصابون بخيبة الأمل، لأن ريكور في الجزء الأكبر من الكتاب لا يناقش الأيديولوجيا واليوتوبيا كظاهرتين ولكن كمفهومين. وريكور يقرر مراراً، على سبيل المثال، بأنه غير مهتم بما إذا كان ماركس دقيقاً من الناحية التاريخية بخصوص دور الصناعة في بواكير الرأسمالية، إن تركيزه ينصب على البنية المعرفية لعمل ماركس. كما أن فيير لا يعالج أساساً سعياً وراء المحتوى الاجتماعي لتحليلاته بقدر ما يعالج من أجل تحديد إطاره المفهومي ومع ذلك يجب أن لا يوحي وصف المحاضرات بالفلسفة إنها صعبة أو عسيرة على الفهم. إنها تمتّ بصلة واضحة لما يعنيه بالنسبة لنا أن نكون بشراً يعيشون في عالم اجتماعي وسياسي.
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب