كتاب معتزلة البصرة وبغداد – رشيد الخيون
من بين مخلفات التاريخ يبرز الاعتزال، بمقالات شيوخه، محفزاً نشطاً في استلهام دلالات العقل مقابل النقل، والتحرر من أسر رتابة النصوص، بسبب أن هذا الفكر يمتلك رؤية حيوية حول الوجود كطبيعة وإنسان، وعلاقتهما بالله، رؤية تمكن الإنسان، إلى حد ما، من حرية التصرف في شأنه الاجتماعي، ومن التأثير الداعي على الطبيعة، وتوجيهها لمصلحته. لقد ترك المعتزلة تراثاً فكرياً لا يتحدد بما نقلته كتبهم أو ما نقله الآخرون عنهم فقط، بل يتحدد أيضاً في امتداد أفكارهم وصلاحيتها لعصور آتية كونهم وضعوا العقل وسيطاً بين السماء والبشر، وجعلوه في مقدمة الأصول الأخرى، وعندما يلوّح بالنصوص كثوابه في تحديد علاقات الناس في المنحدرات الحادة، التي تعترض طريق الإبداع يحضر الفكر المعتزلي كشاهد تاريخي على الرفض والمقاومة، ومن داخل المؤسسات الفقهية، فشيوخ المعتزلة كانوا من الفقهاء المتكلمين والفلاسفة، وفي هذا الكتاب تحت دراسة عشرين ونيف من الشخصيات الطلابية من نفاه القدر والصفات والقائلين بخلق القرآن من غير المعتزلة ومن شيوخ الاعتزال البارزين كان في مقدمة هذه الشخصيات التي ذكرها الكتاب الفقيه المعروف الحسن البصري، الذي لا تربطه رابطة بالاعتزال، كما يشاع عنه ذلك، سوى أن مؤسسي الاعتزال واصل بن عطاء وعود ابن عبيد كانا من مرتادي مجلسه في مسجد البصرة، لكن ذكره يكشف عن ظروف الحركة الفكرية والكلامية آنذاك، ويكشف علاقته وفقهاء عصره من الاعتزال، أما الإمام أبو حنيفة النعمان، والمقتولون الأربعة: الجعد بن درهم، ومعبد الجهني، وجهم بن صفوان وغيلان الدمشقي، فأمرهم له صلة بمقدمات ظهور الاعتزال الفكرية، لأن المذكورين تبنوا تلك الأفكار بدرجات مختلفة، لذا جاء ذكرهم في هذا الكتاب الذي استوعب بالإضافة إلى ملف الشخصيات جزءاً من مفكري الاعتزال من بصرمين وبغداديين ليعكس الدور الفكري لهؤلاء في تأطر مذهبهم بصورة خاصة وبالفكر الإسلامي بصورة عامة.
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب