كتاب معمار الفكر المعتزلي – سعيد الغانمي
تشكِّل مغامرة الفكر المعتزليِّ تجربةً استثنائيَّةً في تاريخ الفكر العربيِّ، لأنَّ هذه التَّجربة قدَّمت مغامرتها النَّقديَّة بمعزل عن الفكرين الهنديِّ واليونانيِّ، برغم ما أُثيرَ حول تأثُّرها بهما من ضجيجٍ مفتعلٍ. فمنذ زمن غيلان الدِّمشقيِّ، تكوَّنت حركة القدريَّة الأُولى في دمشق، غير أنَّ مروان بن محمَّد تمكَّن من إخماد هذه الحركة مرَّتين، ممّا اضطرَّها إلى الرَّحيل إلى البصرة، وتطوير مبادئها الخمسة تحت عنوان “الاعتزال” في زمن واصل بن عطاء وعمرو بن عُبَيد. وسرعان ما استطاع جيل النَّظّام والعلّاف ابتكار بعض النَّظريّات والمفاهيم الأساسيَّة الفريدة، التي تستحقُّ المراجعة والفحص. وفي وقتٍ مزامنٍ تقريباً، أطلق قاضي البصرة أبو الحسن العنبريُّ نظريَّةً متسامحةً في المعرفة.
يُتابع هذا الكتاب تاريخ الاعتزال في مراحلِهِ جميعاً، ويستكشف رغبة المأمون في تحويله إلى عقيدةٍ ناجيةٍ وسنَّةٍ قويمةٍ، ثمَّ الرّدَّة التي حصلت في عصر المتوكِّل حين قلب المحنة على المعتزلة. ولكون الاعتزال حركةً تمتدُّ على مساحةٍ زمنيَّة تقربُ من ستَّة قرون، يقدِّم الكتاب خلاصةً وجيزةً لأفكار أهمِّ أعلام المعتزلة، مثل الجاحظ والناشئ الأكبر وأبي القاسم الكعبيِّ، والمذهب البغداديِّ في الاعتزال، وانكفاء معتزلة البصرة وأفول مذهبهم، وصولاً إلى النُّسخة المعياريَّة التي أراد القاضي عبد الجبّار إنجازها، وما ترتَّبَ عليها من فكرٍ استحدثه المتكلِّم البغداديُّ المهمُّ أبو الحسين البصريُّ.
وينتهي الفصل الأخير بعرض الخيبة المأساويَّة التي عاشها فكر ابن الوليد البغداديِّ، ومحاولات الحاكم الجُشميِّ وابن الملاحميِّ والزَّمخشريِّ إنقاذ التَّجربة المعتزليَّة من براثن الاستعداء الذي كلكلَ عليها ونهشها، وانتهاءً بآخر معتزليٍّ معروف في أفق العالم، ألا وهو ابن أبي الحديد البغداديُّ.
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب