كتاب من سيرة المماليك – جيهان مأمون
يمر زمان وراء زمان، أستعيد همسات الماضي الدافئة، أستمع إلى صوت الدراويش في طريقهم للتكايا بملابسهم الصوفية الخشنة ويتردد صدى أذكارهم وابتهالاتهم في شوارع القاهرة فيفسح المارة الطريق، تعلو زغاريد النساء من فوق الأسطح وتمتلىء الطرق لاجموع المحتشدة لمشاهدو موكب المحمل الشريف الذي يجوب شوارع القاهرة في طريقه إلى الحجاز يتبعه الأمراء وقارعو الطبول فتسود البهجة في الجو، يلوح في الأفقق موكب أم السلطان يتقدمها الفرسان لملاقاة ابنها الملك الأشرف شعبان الذي لا تساوي كل كنوز الدنيا رضا أمه ففرش لها الأرض بالورود، تسوقني قدماي إلى ميدان الرميلة تحت القلعة فيشق السكون صراخ النساء في الحرملك بقلعة الجيل، لقد عزل الأمير طاز السلطان حسن من الحكم وحبسه بداخل دور الحرم، من يستطيع التصدي لهذا الداهية؟
يخرج من وراؤ قضبان خزانة شمائل الملاصقة لباب زويلة صوت واهن يئن من فرط الألم، إنه المؤيد شيخ يطلب من الله في سجنه الفرج وهو لا يعلم أنه سيصير سلطانًا لمصر بعد سنوات قليلة، يقف على قارعة الطريق الصديقات سنحر وسلار أمام المدرسة الجاولية التي شيداها معًا، لقد عاشا كأخوين وماتا كأخوين ولم يفرقهما حتى الموت، يمر محتسب القاهرة يتبعه رجاله لمراقبة انضباط الأسواق فيفر المخالفون هربًا من الضرب بالفلقة، ويظهر الحاوي من بين الدروب الضيقة بأدواته السحرية يتبعه القراداتي لتقديم عروضهما مقابل بارات قليلة فألمح عيون النساء وهن يتطلعت بشغف لمشاهدة العرض من وراء المشربيات، ياله من عالم فريد توارى بين طيات الزمان.
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب