كتاب هوية بأربعين وجهاً – داريوش شايغان
يمتلك داريوش شايغان مهارة فائقة في التعبير عن أفكاره، ببيان مكثف دقيق، وواضح. عباراته لا يرهقها فائض لفظي، ولا تغرق بغموض والتباسات مبهمة. يرتّب موضوعاته في سياق منهجي منظّم. وتظهربراعته في القدرة على توظيف المصطلحات، التي ينحتها أو يستعيرها، بنحو اغتنت آثاره بمعجم اصطلاحي مميز ينفرد هو بكثير من مصطلحاته. فمثلا يعثر قارئ شايغان على: “شيزوفرينياثقافية، احتضار الآلهة، الذاكرة الأزلية، النظرة المشوهة، المرايا المهشمة، طوبوغرافيا الوجود المتعددة الأبعاد، الجهل العالم، الجغرافيا الرؤيوية، التراتبية الأنطولوجية، الثنوية الميتافيزيقية، الوهم المزدوج، مرحلة البين بين، أدلجة المأثور الديني، تهجين المفاهيم، إجازات داخل التاريخ، هوية مركبة، هوية أربعين قطعة، هوية ريزومية، أنطولوجيا مهشمة، تزامن الثقافات المتنوعة، أمسى العالم شبحا، …الخ”
هذا هو شايغان، بنمط تكوينه المتميز في الأديان الآسيوية والتصوف والعرفان والحداثة وما بعد الحداثة، وبإتقانه لعدة لغات شرقية وغربية، وصياغته لأفكاره ببيان مكثف، ولغة بالغة الثراء والحيوية، ومهارته في نحت مصطلحات موحية شديدة الحساسية، ورؤياه المضيئة، وتأملاته العميقة الفسيحة لماضي وحاضر مجتمعاتنا ومصائرها، ومقدرته الفذة على الإصغاء لإيقاع الحياة ومتطلباتها المتغيرة، ومواكبته للمكاسب الراهنة للمعرفة البشرية، وتحرر عقله من الديماغوجيات الأيديولوجية، وتوهّج وعيه وبراعته في عبور سجون المعتقدات
لا ينتظر شايغان النقد من المهتمين بفكره، لأنّه يبادر لنقد ذاته، ويهتم بتحديث رؤيته وتجديد مفاهيمه، ولايكف عن عبور المحطات في مسيرته الفكرية، تبعاً لمواكبته الجادة لرهانات الفكر والواقع. فهو يعلن أكثر من مرة، بصراحة أنه على الدوام : “في حالة سير وسلوك ومراقبة، أنا مازلت في حالة السير والسلوك في الرؤى الكونية المختلفة، ذلك أني أعرف أن عالمنا ما زال في طور الصيرورة ولم يكتمل بعد”
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب