كتاب انفصام وقصص أخرى – محمد عبد السلام
” فنجان قهوة لا زال ساخنًا، يتسلل البخار المحمل برائحة البن البرازيلي الطازج ليوقظ كل خلايا مخه.
تأكدّ أن ما يراه الآن بوضوح هو الحقيقة، لا شيء غيرها.
كان وجه مُحدثه مألوفًا بدرجة كبيرة، كأنه رآه مرارًا، أو كأنه يجمع في ملامحه قسمات كل من مر بهم في حياته، (أين رآه من قبل)، صوته هادئ منضبط الإيقاع، به طعم من لزوجة ملح البحر وخفوت أمواجه في الليالي الصيفية، قال وهو يشير له باحتساء القهوة قبل أن تبرد: – هل صدّقت حقًا مخاوفك؟! هل صدّقت فعلًا أنَّهم ضربوك وأهانوك وقطعوا أنفاسك؟! لا يا صديقي إنَّها مخاوفك أنت، إنَّها هواجسك أنت، أنت خائف في مهنة لا تعرف الخوف، تترقب شرًا يأتي في كل لحظة، تخاف من نسيان البطاقة الشخصية، تخاف من التفتيش في لجان المرور، تخاف من مُضايقات جيرانك، من سطوة زوجتك، من مطاردات عشيقتك الأجنبية، تخاف كل شيء، أرجوك لا تُلقِ باللوم علينا، ولا تُلصق بنا تُهمًا نحن لم نرتكبها….!! يُمكنك أن تعود إلى منزلك دون مراقبة ودون مضايقات، اطمئن….!!
وكأنَّه يسمعها لأول مرة في حياته، (اطمئن)….
مَن يتهم مَن؟! أولئك الملاعين يقلبون الآية، يريدون أن ينفضوا ياقات وأكمام بدلهم مِمَّا لحق به، يريدون أن يغسلوا أياديهم الغليظة من دمه وجراحه وأوجاع كرامته التي أهينت. “
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب