كتاب الأعمال الشعرية – وديع سعادة
قرأتُ شعر وديع سعادة برمّته، منذ توزيعه كتيّبَه الأول في شارع الحمراء، في أوائل السبعينات. صورته تلك، لم تبارح مخيلتي، وهي هي لم تتغيّر. إنها صورة المساء الذي ليس له أخوة، بل صورة الشاعر الذي يكتب الشعر، بالموهبة المكتملة التي تمنح نفسها بتألّقٍ يوازي تألّق النبع عند الفجر أو في الهزيع الأخير من الليل.
ليس لشاعر من طينة وديع سعادة، أن يجتهد، أن يختبر، أن يبحث عن شكل، أو معنى، خارج وديع سعادة نفسه. اجتهاداتُه، اختباراتُه، أبحاثُه الأسلوبية الشكلية، معانيه، وأسرارُه، كلُّها موجودةٌ فيه. وكذلك لغتُه.
أعمارٌ، وأحلامٌ، وتخييلاتٌ، وصورٌ، وهلوساتٌ، وآلامٌ، وتراكماتٌ، وخيباتٌ، ومراراتٌ، تتلوّى كلّها في ليل الباطن، وتتخالط، وتتخمّر، قبل أن تنضج، وتعثر كينونتُها على درب عبورها إلى فم الأرض.
شعريته أسمّيها شعرية النبع، جوهريّة، بديهيّة، بسيطة.
فاقرأوا شعر وديع سعادة. لكن احذروه في الآن نفسه، لأنه مليء بالفخاخ.
ظاهرُهُ نثريٌّ، سِيَرِيٌّ، حكواتيٌّ، سلسٌ، ليّنٌ، قريبٌ، متواضعٌ، خفِرٌ، أليمٌ، مريرٌ، أسود، ساخرٌ، صارخٌ، يائسٌ، باسطٌ معناه على حريرٍ سرديّ، لكن باطنه محرَّرٌ من النثر. إنه النثر الذي هو شعرٌ خالص.
إنه النثر الذي هو قصيدة نثر.
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب