كتاب الصلاة (بحث في سوسيولوجيا الصلاة) – مارسيل موس
كتاب ذو طموح كبير، طرح صاحبه على نفسه ملء الفراغ الذي تركته التوصيفات العالمة، عند علماء اللغة وتاريخ الأديان بخصوص مسألة الصَّلاة، قاطعاً مع التصورّات الروحانيّة والذاتيّة اللاهوتيّة والفلسفيّة، بهدف تأسيس نظريّة موضوعيّة للصَّلاة متوافقة مع الرؤية الإناسيّة عند المدرسة الفرنسيّة في علم الاجتماع.
إنّه طموح إلى اكتشاف نموذج بدئي دون الخروج عن مبدإ احترام القواعد المنهجيّة. ولذلك قام مارسيل مُوسّ بتحليل ظاهرة الصَّلاة من خلال إعادة موضعتها ضمن سياقها الطقوسي والعملي، مع محاولة تنميطها استناداً إلى نماذج دقيقة تجمع بين النماذج التولديّة والنماذج التكونيّة. فالصَّلاة حسب موسّ تستند إلى أربعة عناصر، إذ هي «في المقام الأوّل فِعْلٌ… تنطوي دائماً على جهد، وعلى صرف طاقة جسديّة ومعنويّة في سبيل إحداث مفاعيل معيّنة… أضف إلى ذلك أنّها فعل تقليدي بوصفها جزءاً من طقس… كما أنّها تتّسم أيضاً بفعاليّة كامنة فيها… لأنّها هي التي تحث الإله على التدخّل في اتّجاه مُعَيَّن… وأخيراً، فإنّ فعاليّتها هي نفسُها فعاليّة الطقوس الدينيّة، لأنّها تتوجّه إلى قُوىً دينيّة». وبهذا تجمع الصَّلاة عند مُوسّ بين بعديْن أساسيّيْن هما: الفعل والعقيدة. فالصَّلاة عنده أداة شفهيّة للفعل، ومضمون للفكر، وهي «مليئةٌ بالمعنى بوصفها أسطورة… ومليئةٌ بالقوّة والفعاليّة بوصفها طقساً”، أو هي “ملتقى الأسطورة والطقس معاً».
كما أنّ للصَّلاة عند موسّ خاصيّة مزدوجة من جهة أنّها خطاب تكريس يُعبّر شكله في آنٍ عن الانتماء الاجتماعي وعن احترام التقاليد، ثمّ من جهة امتلاكها قيمة خلّاقة. فللصَّلاة مضمون اجتماعي، بل هي فعل اجتماعي. ومهما كانت أهميّة البُعد الفردي في الصَّلاة، إلاّ أنّه يظلّ في الواقع ثانويّاً مقارنة ببعدها الاجتماعي.
إنّنا أمام أفكار جديدة وفذّة وأمام «عمل، وإن كان متشظّياً، إلاّ أنّه لا يزال أهمّ عمل خلّفه لنا مارسيل مُوسّ». وإننّا لنأمل، رغم قلّة من يعرف كتاب مُوسّ حول الصَّلاة وندرة من يشير إليه، أن تكون أهميّته على قدر ما يأمل القارئ العربي في هذه الترجمة الفذّة.
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب