كتاب إقامة العالم التاريخي في علوم الروح – فلهلم ديلتاي
إن رأس الأمر أن ندرس، بنحو نسقي تام، ابتداء بالأدنى، الانتظامات التي تعطي بنية المجموع التفاعلي، ما له من الحوامل، وذلك اعتماداً على الفرد أن نتبين إلى أي حد تقدر هذه القوانين البنيوية على بناء توقعات للمستقبل، فإن ذلك لا يمكن تحديده أصلاً إلا إذا ما ثبت هذا الأساس.
وقد يكون ما استقر في الحادثات التاريخية، وتواتر هو الموضوع الأول للدرس، وعليه يستند الجواب عن كل الأسئلة التي تطرح عن التقدم التاريخي، أو عن الوجهة التي تتخذها الإنسانية – إن بنية عصر بعينه قد تبينت، من بعد ذلك، على شاكلة مجموع مؤلف من أجزاء مجامع وحركات، في خضم مركب تفاعلي عظيم، لزمن ما.
وبناء على لحظات هي غاية في التنوع والتبدل، يتكون كل معقد. وهو الذي يحدد من جانبه الدلالة التي تقع على كل ما شأنه أن يفعل في عصر ما، فإن كان روح مثل هذا العصر قد تولد من شقاوات وعداوات، وجد فيه وبه كل فرد دلالته.
إنه المجموع الذي يتحدد به، خصوصاً، كبار الرجال التاريخيين. أولئك لا يضيع ما صنعوا في مجاهل التاريخ، بل تستمد أهدافهم من القيم، ومن المجموع الدلالي للعصر عينه، إن الطاقة المنتجة لأمة من الأمم، في عصر بعينه، إنما تستمد أقصى قوتها مما يقع على أهل هذا العصر من التقيد بأفق محدود، وأما عملهم فيصلح لتحقيق ما يشكل الاتجاه الرئيس للعصر بهذا، يصيرون أعلاماً له.
فلهلم ديلتاي 1833 – 1911 فيلسوف ألماني يعتبر من أعلام الفكر الكبار في القرن 19. اشتهر بأعماله في مجالي التاريخ والأدب الألمانيين، وفي فلسفة الفن والدين انشغل فلسفيا بتمييز علوم الإنسان عن علوم الطبيعة وضبط أصولها ومناهجها وأغراضها. ساهمت أبحاثه في علوم النفس والتربية والأخلاق والجماليات والتأويلية في دفع العلماء والفلاسفة المعاصرين إلى آفاق غير معهودة، أهم أعماله حياة شلاير ماخر (1870) ومقدمة في علوم الروح (1883).
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب