كتاب فكرة الشيوعية – طارق علي
لقد أفسدَ المالُ السياسة، وأفسدَ الكثير من المالِ كلَّ شيءٍ. شهدنا، في معاقل رأس المال، بروزَ الجمهوريين والديمقراطيين في الولايات المتحدة؛ وحزبِ العمالِ الجديد والمحافظين (Tories) في (بريطانيا)؛ والاشتراكيين والمحافظين في (فرنسا)؛ والائتلافات الألمانية؛ والوسط اليميني واليساري في (البلدان الإسكندنافية)؛ وعجزَ الوسط اليساري الإيطالي؛ وهكذا. في كلِّ حالةٍ تقريبًا تحوَّل نظامُ الحزبين إلى حكومةٍ وطنيةٍ فعَّالة. كما برز تطرُّفٌ سوقيٌّ جديد. واعتُبِرت مشاركةُ رأسِ المال في أقدسِ مجالاتِ الخدماتِ الاجتماعية – إصلاحًا لا مفرَّ منه.
أصبحت مبادراتُ التمويل الخاصِّ التي تُعاقبُ القطاعَ العامَّ قاعدةً عامَّة، وباتتْ دولٌ مثلَ (فرنسا) و(ألمانيا)، التي يُنظر إليها على أنَّها لا تسير بالسرعة الكافية نحو الفردوس النيوليبرالي، تُشجَّبُ بانتظامٍ في صحيفتي الـ(إيكونوميست) والـ(فايننشال تايمز).
وفي حال التشكيك في هذا التحوُّل، أو الدفاع عن القطاع العام، أو المجادلة لصالح ملكية الدولة للمرافق، أو معارضة البيع السَّريع للمساكن العامة (Fire-Sale)، سيُصنَّفُ المرءُ ديناصورًا “محافظًا”.
أمَّا الجميعُ فقد صاروا زبائنَ لا مواطنين: شبابٌ طموحون. وعكستِ النخبُ الاجتماعيةُ والاقتصاديةُ هذهِ الحقائقَ الجديدةَ. فأضْحى السوقُ إلـهًـا جديدًا يُفضِّلونَه على الدولة. مع ذلك، لم يتساءلْ أولئكَ الذين ابتلعوا هذا الخطاب قطُّ: كيف حصل ذلك؟
في الحقيقة، كانتِ الدولةُ ضروريةً لإنجاز هذا الانتقال. فكان التدخلُ الحكوميُّ لدعم السوق ومساعدةِ الأغنياء أمرًا مقبولًا. ونظرًا إلى أنَّ أيًّا من الأحزاب لم يُقدِّم بدائلَ، وثقَ مواطنو أمريكا الشمالية وأوروبا بساستِهم ومشَوْا نيامًا نحوَ الكارثة.

تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب



