كتاب الفيضان ومنتخبات قصصية أخرى – إميل زولا
يقدّم هذا الكتاب منتخبات قصصية لرائد المدرسة الطبيعيّة في الرواية، الفرنسيّ إميل زولا، مقتطفة من مختلف مجموعاته القصصية. تشكّل هذه القصص مختبراً حيّاً للتجارب التي يتوسّع زولا في معالجتها في إنتاجه الروائيّ الضخم. وهو يفيد هنا من وجازة الحكاية والقصّة لتشكيل لوحات حيّة تندرج ضمن معايناته لمظاهر البؤس في عصره، خصوصاً في العاصمة الفرنسيّة، التي رصد فيها صعود الرأسماليّة المتدرّج وولادة حضارة الإعلان والاتّجار بالصورة والتلاعب برغبات المواطنين الذين بدأوا يتحوّلون إلى مستهلكين لا غير. بيد أنّه لا ينسى مباهج الريف، ولا الجنوب الفرنسيّ الذي نشأ هو فيه وأحبّ. هكذا يخاطب في النصوص القصيرة الأولى من هذا الكتاب صديقة صباه نينون، فيعيد رسم أجواء حبّهما الأولى بأسلوب تصويريّ بارع وبلغة فردوسيّة ملهمة. كما لا ينسى مآسي الريف، فيرسم في قصّته “الفيضان”، التي اختير اسمها عنواناً للكتاب كلّه، مأساة الطبيعة تجرف البيوت وتطمر أبناءها تحت السيل، وهذا كلّه يصفه بأسلوب ملحميّ وتصوير لمّاح جعلا منه أحد روّاد القصّة الحديثة.
قد يفاجئ هذا السّفْر الضخم قارئ العربية مثلما فاجأ من قبلُ قارئ الفرنسية لدى صدور نصوص زولا السرديّة الوجيزة في مجلّد يغطّي 1625 صفحة صدر العام 1976 في سلسلة لابليياد. فكما كان الأمر بالنسبة لقرّائه المعاصرين بلغته الأصليّة، يكاد القارئ العربيّ لا يعرف سوى زولا صاحب الرّوايات الضخمة، المولع باللّوحات الوصفيّة العريضة، والرّاصد تحوّلات أجيال متعاقبة، على حين يقبع في الظلّ نوعاً ما زولا البارع في كتابة النصوص السرديّة القصيرة.
الحكايات والقصص المجتمعة هنا تنقسم على مرحلتين يمثّلهما قسْما هذا الكتاب. تمتدّ المرحلة الأولى على الأعوام 1864-1874، والثانية على الأعوام 1875-1899. في هذه النصوص يعرب زولا، هو المتّهم ظلماً في رواياته بالرّتابة، عن تنوّع كبير في التعبير عن مظاهر الحداثة الأليمة المشار إليها أعلاه، والتي جعل جزءاً من رسالته ككاتب يتمثّل في رصدها وتعريتها. بيد أنّ فسحة النّور التي كان يهمّ زولا أن يُحلّها دوماً في أعماله تجعلنا نلاحظ عودة ثيماته الرئيسة، من مديح العطاء الصادق، غير المحدود وغير المشروط، إلى تقريظ الخصب والأمومة، فتمجيد القوّة الفاعلة والجهد المستأنف دون انقطاع.
يقف إميل زولا (1840-1902) بين عمالقة الأدب الفرنسيّ والعالميّ، ويُعدّ الوريث الأعظم لبلزاك وفلوبير، وذلك بفضل مسيرة أدبية وإنسانية حافلة بدأ فيها صحافيّاً لامعاً وناقداً فذّاً للأدب والفنّ، ثمّ نشر عدداً من الحكايات والقصص، جاءت بعدها رواياته الضخمة، التي تتقدّمها سلسلة “آل روغون ماكار” برواياتها العشرين التي تعرض تحوّلات مختلف أجيال أسرة كبيرة واحدة في ظلّ العهد الامبراطوريّ الثاني بفرنسا (1852-1870). تشكّل السلسلة، على ما يرد في عنوانها الفرعيّ الشامل، “تاريخاً طبيعيّاً واجتماعيّاً” لهذه الأسرة، ومن أشهر أجزائها “جَوف باريس” و”الجشع” و”الحانة” و”الأرض” و”الوحش البشريّ” و”جرمينال” و”الحلم” و”الهزيمة” و”المال”.
أمّا المترجمة دانيال صالح فهي شاعرة باللغة الفرنسية، لها مجموعتان شعريّتان بعنوان “حجارة الليل” صدرت في باريس عام 1984، و”الخطوات النائمة” صدرت في بيروت عام 1985. عملت في حقل الأدب والشعر باللغات الفرنسية والعربية والإنجليزيّة منذ العام 1985، وترجمت في الصحف والدوريات اللبنانيّة والعربيّة عموماً عشرات القصص القصيرة والقصائد لأدباء غربيّين كبار. ساهمت في أنطولوجيا بالفرنسيّة لأعمال الشاعر اللبناني أنسي الحاج بعنوان “الأبد الطيّار” عن دار سندباد الفرنسيّة، وأعدّت وترجمت بشكل مشترك مع الشاعر والكاتب اللبناني شارك شهوان أنطولوجيا للقصّة القصيرة بعنوان “ثلاثون قصّة من الكوكب”. ومن ترجماتها إلى العربيّة “منصب شاغر”، أوّل لرواية للكبار كتبتها ج. ك. رولينغ، مؤلّفة سلسلة هاري بوتر الشهيرة، و”بوتشان” للكاتب الياباني ناتسومي سوسيكي، نشره مشروع “كلمة”، و”المدعوّة” للكاتبة الفرنسيّة سيمون دو بوفوار.
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب
لمناقشة الكتاب فى جروب قهوة 8 غرب اضغط هنا