كتاب الأناركية (من النظرية إلى التطبيق) – دانيال غيران
مع اندلاع ما سُمّي بـ”الربيع العربي”؛ طفا لفظ الأناركيّة إعلاميًا في العالم العربي، وخصوصًا في مصر. وبات لزامًا على كل مثقَّفٍ جادٍ مُلتزمٍ بقضايا مُجتمعه، التعرُّف إلى هذه الأناركية التي بدت حينها طلسمًا تفكيكيًا غامضًا. ليس بوصفها فلسفةً سياسيّة فحسب؛ بل بوصفها رؤيةً كونيّةً وفلسفةً حياتيّةً يمتدُّ نطاقها ليشمل الفرد والمجتمع، بل إنها تنطلق منهما في الأصل؛ بحُكم إيمانها بالتنظيم الحُرّ، اجتماعيًا واقتصاديًا وسياسيًا، التنظيم الذاتي التلقائي لحركة الإنسان والمجتمع في الوجود؛ تنظيم يبدأ من أسفلٍ إلى أعلى، وبغير قهرٍ سلطوي فوقي.
وقد شوَّشَت الترجمات العربية السخيفة على مدلول اللفظة فلسفيًا ومعرفيًا؛ فحُمِّل المجال الدلالي ما لا يُطيق تحت وطأة جهل المترجمين بالخلفيات الثقافية والسياقات الحضارية، وبالتجليّات التاريخية المختلفة لهذه الفلسفة؛ إنسانيًا واجتماعيًا. فتارةً يُترجمونها إلى “اللاسلطويّة”، وتارةً أخرى إلى “الفوضويّة”، وهلم جرا؛ في حين أنَّ الدلالات التاريخية لاصطلاحي الأناركيّة والليبرتاريّة، واللذين يُستخدما في أدبيّات مُنظِّري ذلك التيّار بشكلٍ مترادِفٍ؛ ليس لها مقابِلٌ في الثقافة العربية ولا في الحضارة الإسلامية؛ فهما يُعبِّران عن سياقاتٍ حضاريّة وثقافيّة شديدة الخصوصيّة، وذلك بغير إنكارٍ لما يطويه النسق من عمومٍ صادرٍ عن بقايا الفطرة الإنسانية، وهو الذي يتجلّى أشد ما يتجلّى على المستوى الإجرائي/التقني/الأداتي.
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب