إبراهيم نصر اللهروايات عربية
رواية أعراس أمنة – إبراهيم نصر الله
الذّي يجبرنا أن نزغرد في جنازات الشّهداء، هو ذلك الذي قتلهم، نزغرد حتّى لا نجعله يحسّ لحظةً أنّه هزمنا، وإن عشنا سأذكرك أنّنا سنبكي كثيرًا بعد أن نتحرر
روايةٌ ثالثة في الملهاة الفلسطينيّة، هذه المرّة عن السجن الكبير غزّة.
يترصد بك الموت عند كلّ زاوية، رائحة قتلاه تفوح من كلّ مكان، الغياب يدّق جميع الأبواب دون أن يستثني أحد، كلّ ما يقومون به يكون فقط سعيًّا حثيثًا لتفادي الفقدان، للبقاء أبطالًا أطول فترةٍ ممكنة، فهم في الحقيقة ليسوا أبطال بل مضطرين للبقاء كذلك.
الحزن يهدمهم، يرخي بظلاله على كلّ تفاصيل حياتهم، يدفعهم إلى السقوط، يحثّهم على الاستسلام، لكن شيءًا لا يتغير فيهم، وحدها الشمس لا تفوّت موعدها معهم، تتسلل خفيةً إلى أعينهم بعد ليلٍ طويلٍ من السهاد.
كلّ ما يريدونه هو الحفاظ على رغبة العيش رغم سطوة القبور، على الحلم بارتداء فستان عرسٍ مزينٍ بقطرات دماء، أو بدلةٌ لشهيد صار تحت أكوامٍ من التراب.
“أعراس آمنة” قصّة عن الموت، وتبعثّر الأجساد، عن الأم التّي توّدع أطفالها كلّ صباحٍ ومساء، عن الزوج المغادر دون أن يعلم إن كان هنالك من عودة، وحدهم الصغار يسكونون في حلم الاستمرار، يتكاثرون تأكيدًا على البقاء.
أعراسٌ على وقع قطرات دماء، غزّة الحزينة، الرابضة بقلق، المنتظرة امتلاء مقابرها التي تزداد اتّساعًا يومًا بعد يوم لتدفن الجميع بحزنها وألمها، بدموع ثكلاها وأيتامها.
قصّةٌ لا تنتهي، تتكرر يومًا بعد يوم برتابة رصاص القنّاص، وقنابل الطائرات.
بغياب الرحمة، يصبح الموت الشريك الأوحد، الضيف الثقيل الذي يتأبّى منه الجميع.
وحده السّواد يسيطر على الساحة، تخترقه زغرداتٌ بين الحين والآخر، لعريسٍ زفّ إلى مثواه الأخير، لعروسٍ تنتظر خطيبًا لا يدري كيف يعود.
الموت هو الطّاغي، والمقبرة هي المكان الوحيد الذي يجمع الكلّ حول جسدٍ لا يدري لأيّ روحٍ هو.
في غزّة يخاف الجميع أن يعيش في زهوة الحلم الجميل، يهاب الجميع تخيل الدّقائق القادمة. إنّه السعي الحثيث لقتل الحياة، لإماتة الروح في الأجساد، لجعلهم أشباه أشباح، مجرد خيالات تتجول دون أن تملك إرادة البقاء.
في غزّة لا تختلف الحياة كثيرًا عن الموت، فالحياة هناك تعني الموت، لكنهم يحاربون، الكلّ يحارب، بصغارهم وكبارهم، يقاتلون كي تبقى جذوة الحياة مشتعلة، يقاتلون من أجل حياةٍ عادية، تتخللها الأفراح كما الأتراح، تتخللها الأعراس، ولو كانت في صحن مقبرةٍ أو قرب جسدٍ تناثرت أشلائه في الهواء.
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب