كتاب القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني – محمد أركون
لأول مرة يطبق أحد الباحثين بعض النهجيات الحديثة كعلوم الألسنيات والسيميائيات والمنهجية البنوية على النص القرآني، بغرض الكشف عن البنية اللغوية لهذا النص، وشبكة التوصيل المعنوية والدلالية التي ينبني عليها. هذا فضلاً عن تطبيقه المنهجية التاريخية لتبيان حقيقة العلاقة القائمة مابين الوحي والتاريخ. وهو إنما يهدف بذلك إلى زحزحة مفهوم الوحي التقليدي والساذج الذي قدمته الأنظمة اللاهوتيه عنه، وتجاوزه إلى تصور أكثر محسوسية وموضوعية وعلمية. فهدف أي نقد حقيقة للخطاب الديني، عند محمد أركون، يجب أن يتم باستخدام جميع مصادر المعقولية والتفكير التي توفرها لنا علوم الإنسان والمجتمع للانتقال بإشكالية الوحي، تحديداً، من الموقع الابستمولوجي الدوغماتي الذي تحتله حالياً، إلى فضاءات التحليل والتأويل التي يعمل على افتتاحها تباعاً مايسميه أركون: “العقل الاستطلاعي المنبثق حديثاً”
لدينا هنا نظرية جديدة ومبتكرة في مايخص ظاهرة الوحي، الظاهرة المحورية البالغة الأهمية والخطورة بالنسبة لكل الديانات السماوية. والعمود الفقري لفكر أركون إنما يكمن هنا بالذات. فهو يفكك النظرة التقليدية الراسخة منذ مئات السنين لكي تحل محلها نظرية جديدة قائمة على آخر ما توصلت إليه العلوم الإنسانية من عقلانية ومنهجية وفهم عميق. ومن هنا الطابع التحريري الهائل لفكر محمد أركون، وكذلك الطابع الريادي لمشروعه في نقد الخطاب الديني عموماً، والعقل الإسلامي خصوصاً.
إن ضخامة المسائل التي يثيرها أركون في كتابه الجديد هذا، تبين لنا إلى أي مدى يُمكن لدراسة معمقة لظاهرة الوحي أن تخدم كوسيلة فعّالة لتنشيط الفكر الإسلامي وانتشاله من ركوده المزمن، وجعله فكراً نقدياً يقطع مع كل خطاب تبجيلي للذات، وينخرط فوق ذلك في مناقشات الكبرى لعصرنا ويتحمل مسؤولية المخاطر الحديثة للمعرفة العلمية، شأنه شأن باقي التراثات الرئيسية للبشرية.
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب