كتاب فن السيرة – إحسان عباس
كنتُ وما أزالُ أؤمن بأنّ الحديث في السيرة، والسيرة الذاتية، يتناول جانباً من الأدب العربيّ عامراً بالحياة، نابضاً بالقوَّة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيار الفكر العربي والنفسية العربية، لأنَّه صورة للتجربة الصادقة الحيّة التي أخذنا نتلمّس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، فنجدها واضحة في الفهم النفسي والاجتماعي عند الجاحظ وأبي حيان وابن خلدون، ونلقاها في رحلة ابن جبير وأحسن التقاسيم وصورة الأرض، ونستقربها في سخرية المازني والشدياق وثورة جبران والمعاري، فإذا جئت اليوم أعرض سيرة صلاح الدين لابن شداد، أو سيرة ابن طولون للبلوي، أو الصراع الروحي في المنقذ من الضلال، أو الصلابة في نفسية ابن خلدون، أو الشجاعة المؤمنة بمصيرها في مذكرات أسامه، فإنما أحاول أن أنفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، وأضع مفهوما أوسع لمهمة الأدب، ذلك لأن الأشخاص الذينيصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل، أما أولئك الذين يذهبون بنا في شعاب من الصنعة “الرسمية” فإنهم يستنزفون جهودنا على غير طائل، وينقلون تفاهة الماضي الذي عاشوا فيه إلى حاضرنا الذي نرجوه لما هو أجدى.
وإني أعلم أن الاتجاه في الحياة المعاصرة ، أخذ يتشكل نحو الجماعة بخطى سريعة، وهذا يقلل من تقديس الأبطال، ويخمل دور الفرد في الحياة، ويغير مفهومات الناس عن قيمة ذلك الدور، ومن ثم تقل الرغبة في السير عامة ولكننا نسيء إلى روح الجماعة إذا اعتقدنا أن التجربة الفريدة لا قيمة لها، فقد تزول عبادة الأبطال من النفوس، وقد يفقد الفرد معنى التفرد الأناني، ولكن شيئا واحداً لا يزول هو هذه التجارب الحية، وطريقة التعبير عنها، وكل ما سيحدث أن المفهومات الجماعية ستنعكسُ على تلك التجارب وتصبغها بلون جديد.
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب