كتاب رسائل خليل حاوي إلى نازلي حمادة – نازلي حمادة
فاجأ خليل حاوي الجميع بانتحاره، يوم تمكنت إسرائيل من معظم مساحة لبنان ودخلت بيروت سنة 1982، وكنا لا نزال نردد قصيدته الجسر و”لازمتها”: “من كهوف الشرق من مستنقع الشرق/ إلى الشرق الجديد/ أضلعي امتدت لهم جسراً وطيد”، نرددها “خفافاً” طربين بجرسها وبمعناها، ونتخيل أننا الجيل المقصود بالنهضة، ولا أذكر أن أحدنا فكر في قراءة تاريخ كتابتها.
اليوم زال الوهم وترسخ في آن واحد. فما الجيل المقصود إلا جيل طلابه الذين كان يعزّيه أنهم أعجبوا بها، ويترسخ الوهم لأن الشعر يتجاوز الزمن، في حين أن زمننا القاحل لا يزال مستمراً، والجسر مضعضع يحتاج إلى أضلع جديدة لأجيال مقبلة. كم تساءلنا عن سبب انتحاره ولم نفهم أغواره. جاءنا الجواب يوماً بلسان أحدهم، عن الانتماء السياسي لخليل حاوي الذي يصعِّب عليه قبول أن تجتاح إسرائيل العدو التاريخي، بيروت. لكننا يومها لم نكن نفهم معنى أن تتوحد ذاتك بالوطن وأن يتوحد حزنك بالحزن العام والطويل والمخفي في الأمكنة التي تعيش فيها. كان علينا أن ننتظر سنوات لنفهم أن الخيبة في الوطن قد تغدو خيبة في الحياة تلازمك طوال حياتك.
ومع هذا، الشاعر الإنسان المرهف يحمل بذور ذلك التوحد في داخله ومنه تنبت شجرة الكآبة، فها هي رسائل كتبها إلى تلميذته نازلي حماده، تعطينا الجواب.
خليل حاوي، ككل فنان أو أديب، لا يحس بقيمة الحياة بسهولة ولا يطرب لما يطرب إليه الناس، يشكو تفاهتها في إحدى الرسائل، وإن كان يثمِّن اللحظات الممتعة التي يمضيها مع أصدقاء يبادلهم الآراء ويسوح معهم في بلاد جديدة: “مسكين من يفوته المعنى العميق في مثل هذه الأحداث الصغيرة ولا يرى معنى للحياة إلا في ضجيج أحداثها الكبرى، والمهم هو الروح التي تعبر عن ذاتها في الأحداث وليست الأحداث نفسها”.
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب