رواية القمر والأسوار – عبد الرحمن مجيد الربيعي
“تردد في المدينة خبر الزيارة القريبة التي سيقوم بها الملك والوصي إليها. عرف الناس ذلك من خلال الأطواق العديدة التي بدأ النجارون وعمال البلدية بنصبها في كل الشوارع والساحات المهمة. ووزعت الأعلام العراقية وصور الملك والوصي بكميات كبيرة في الشوارع وواجهات الدوائر الرسمية والأسواق أما المدارس فقد بدأت بأعداد الكشافة والطلبة الآخرين ليكونوا ضمن المسيرة المرحبة بدءاً من محطة القطار وانتهاء بجبن المتصرفية، كما بدأ الخطاطون بكتابة اليافطات الكبيرة من القماش الملون وكلها تحمل عبارات الترحيب بالملك والوصي.
سأل الشيخ علي أحد أصدقائه: ما الذي يفعلانه هنا؟ ورد عليه الصديق بصوت دافئ: وصاية عبد الإله على وشك أن تنتهي، وسيتوج الملك قريباً لذلك بدأ يقوم بهذه الرحلات من أجل التعرف على أحوال الشعب كما يقولون، فانفجر الشيخ علي ضاحكاً. لكنه عاد فخفض من نبرات صوته وهو يسأل منهكاً: وماذا سيعرف عن هذا الشعب؟ وشاركه الصديق ضحكته وسخريته فقال: يعرف هذه الأطواق واللافتات الملونة ويعود ويضيف بعد آهة طويلة: ليته يدري كيف شيدت هذه الأطواق. كلها بأعمال السخرة وتعطيل الأعمال الرسمية، وجوع العمال الفقراء، ليته لا يأتي إنها فتنة جديدة. بالتأكيد لي قريب يعمل في الشرطة السرية، أخبرني بأن لديهم أوامر باعتقال كل الذين لهم نشاطات سياسية، أو سبق أن أوقفوا من قبل لأسباب سياسية. ورفع الشيخ علي رأسه مستفهماً عما سمعه: وكيف؟ ربما قبل يومين من وصول الملك حتى لا يحدث أي شغب أو تخدش آذان الملك والوصي نداءات غير مستحبة، وتأفف الشيخ علي وقال وكأنه يكلم نفسه: مسكين يا محسن، لم يطلق سراحك إلا قبل أسبوع!” قدر العراق وقدر إنسانه النضال المستمر.
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب