كتاب الإستشراف (مناهج استكشاف المستقبل) – إدوارد كورنيش
يتغير العالم حولنا بتسارع لم يسبق له مثيل في التاريخ البشري. ويشمل هذا التغير كل أوجه الحياة الإنسانية الاقتصادية والاجتماعية والفكرية بل وحتى النفسية.
لقد كان الإنسان في الماضي قادراً على توقع مسارب حياته بشكل شبه روتيني، حيث كان التغير بطيئاً ويأخذ أجيالاً ليتثبت ويتعمق، وحيث كان يكفي للمرء أن “يتكيف” مع محيطه المباشر، من خلال ما يتلقاها من “ثقافة شعبية سائدة” حوله تهيئ له إلى درجة كبيرة مستلزمات ما يحتاج إليه في المستقبل. أما الآن فقد أصبح التغير أسيا في وتيرته وشاملاً في تنوعه، وهذا يستلزم من كل منا اكتساب مهارات وآليات متعددة ومتنوعة لنستطيع “الإعداد” لما يمكن أن نتوقعه في المستقبل: من أخطار للتخفيف من المعاناة التي تتسبب بها، ومن فرص لمحسن إمكانات الإمساك بها والاستفادة منها.
ولا يهدف الاستشراف -كما هو مقصود في هذا الكتاب- إلى “التكهن” بتفاصيل أحداث المستقبل لكل فرد منا، ولا حتى للمجتمع وللإنسانية ككل، فهذا مجال لـ”التنجيم وقراءة الكف”!! لكن الاستشراف هو مهارة عملية تهدف لاستقراء التوجهات العامة في حياة البشرية، التي تؤثر بطريقة أو بأخرى في مسارات كل فرد وكل مجتمع.
ومثل هذا الاستقراء يسهل على الفرد -وعلى المجتمعات والأمم- أن يتهيأ بشكل أفضل لما سيأتي وأن يأخذ من القرارات ما يمكن أن يجعل المستقبل المتوقع أفضل. وإذا كنا غير قادرين أن نتكهن بتفاصيل القادم من الأحداث، فإن ما يمكن أن نستقرئه عن مجريات الحياة البشرية يدعونا للقيام بما نستطيع إعداداً لما سيأتي، فقد جاء في القرآن الكريم: “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”، وهي دعوة صريحة وواضحة لأن نقوم بالخطوات الضرورية لنغير ما بأنفسنا ما يجعلنا أقدر على مواجهة المستقبل. كذلك لقد رد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم على من أضاع ناقته في السوق “إعقلها وتوكل”. فالمستقبل ليس قدراً “يحدث”، بغض النظر عن ما نقوم به، ولكن ما نقوم به يكون له التأثير المباشر على جعل إمكانات إمساكنا بمسارات حياتنا أفضل, وهذا هو مضمون هذا الكتاب.
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب