أدب الرحلات والترحال
كتاب من الفندق إلى الحانة – طالب عبد العزيز
كنا لا نعرف من قواعد ركوب الطائرات أكثر من أن نأتمر با تقوله لنا المضيفة الجميلة ، ربطنا الأحزمة وسوينا ظهورنا وانتبهنا جيداً لما تحذرنا منه عند الإقلاع بعضهم أشار علينا أن نفتح أفواهنا قبل ان تستوي الطائرة في الفضاء ، في مصالحة مع ضغط الهواء ، داخل الجسم وخارجه . كنت أتأمل الرحلة ، الخريطة امامي تفيد باننا خرجنا من ساء العراق ، هذه هي المرة الثانية التي أجتاز الحدود فيها ، فقد سبق لي أن غادرتها بالسيارة إلى عمان عام 1994 .
الخريطة تحدثني عن مسار ما كنت الأصدقه ، فقد عبرت الطائرة حدود الأردن ودخلت أجواء إسرائيل ، هذه هي المرة الأولى التي يخامرني فيها شعور بالخيانة ، إذ أنني دخلت دولة معادية ، خفت بحق ، فما زالت صورة المسافر الى خارج العراق ، أي خارج ، مشوبة بالتجسس والعالة . أحسست ، كما لو أن الطائرة ستتوقف وتهبط في مطار اللد ، وأن عودتي للعراق ستكون فيصلا بين حياتي وموتي . الشعور ذاته ، خامرني ثانية في مدينة سيتا بالجنوب الفرنسي ، حين التقيت في صيف سنة 2014 الشاعر الإسرائيلي الشاب « أليعازر كوهين » مع مجموعة من الشعراء اليهود ، في مهرجان شعراء البحر المتوسط ، لكم تودد لي هذا اليهودي من الأصول البولونية ، لكنني كنت أصدّه بشكل غريب ، كانت الطاقية السوداء على رأسه تفزعني ، أظنني ، كنت مخطئاً في تقدير ودَه لي . كان معبد الأولمب وسلاسل الجبال السوداء وحجارة كريت وانوار أثينا أكثر من دليل على أننافوق اليونان ، وأنّ البحر المتوسط « الأزرق » أوحي لنا بان السماء إلى روما باتت قريبة ، ربا ، رفعت يدي محيياً كازنتزاكي ، هل أقول بأنني لمحت ظلال ريتسوس على الشواطيع البازلتية .
مضت الدقائق سريعة ، ومثل حذاء عامل منجم كبير بدت خريطة ايطاليا أمامي ، في شاشة الطائرة ، تذكرت أطالس المدرسة ، التي شغفت بتصفحها . هانحن نقترب من بلاد المحاربين الرومان ، إذن.
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب