قريبا
كتاب سيدة الظلمة وظلها – سعاد الجزائري
في هذه الزاوية المعتمة بترابها وغبرتها ، وعلى الكرسي الذي توقف اهتزازه ، بعدما صار يصدر صفرا متحشرجاً ، ثم متكسراً ليصبح متقطعاً وانتهى بتوقفه عن الحركة تماماً .
شكله يبدو ككرسي هزاز ، لكنه ثابت كأنه تمثال صب من حجر صلد . . على هذا الكرسي ، يجلس كائن ، كان بشرياً في يوم ما ، يعلوه شعراً أجرد أو الحقيقة ، لا لون له ، يحيط وجهاً فقد ملامحه ، والعيون لاتدور في محجريها ، وكأن الاتجاهات تلاشت فيها ، أعلى أسفل ، يمين يسار ، تتجه النظرات الى الأمام فقط ، عبر الزجاج الذي لا يمرر كل الألوان إلا اللون المغبر أو اللالون . . يغطي هذا الكائن خرق لا تعرف بدايتها من نهايتها . . قطع قماش ، كأنها ملابس ، نامت بكسل على جسد لا يتحرك إلا نادراً وعند الضرورات ، تعيش كائنات صغيرة بين ثنايا هذه الخرق . . وتصالحت مع الجسد الساكن .
فلم يزعجا بعضهما وعاشا كائن كان امرأة في يوم ما ، لها شعر أسود يتماوج خلال لمعانه اللون الأزرق ، عينان شهلاوتان وأنف دقيق وشفاه مدورة كأنهما قطعتي فاكهة ، أو بسكويت مدور محلي بلون زهري . . امرأة كان فيها الماضي والحاضر ، ولها صوت كأنه نغمة تتجدد في كل لحظة . . تتحرك بحيوية وحب ، فتتحرك حولها ومعها كل الكائنات . . امرأة ضم صدرها قلباً لم يتوقف عن الحب أبداً . . | الجسد الآن شبه ساكن ، لا فعل فيه . . وأحيانا نادرة تصدر منه بعض ردود الأفعال ، لكن الروح داخله ، تتلوى داخل قفص الجسد المترب ، ترتفع وتهبط ، تهرب الى اليمين لتسرع وتتجه الى الأعلى . أصوات عبر النافذة تنادي الروح الملتاعة ، تصرخ فيها منادية : بعثنا لك رسلاً تحيي العظام وهي رميم.
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب