كتب السير والتراجم والمذكرات
كتاب نادني الأمريكي – عبدي نور إفتين وماكس ألكسندر
الكاتب الصومالي الشاب عبدي نور إفتين لا ينبش في تاريخ بلاده القريب ، ولا يكتفي بأن يقصر سرده على الحروب العنيفة التي دمرتْ وطنه وشعبه ؛ كما لا يقتصر في مذكراته هذه على رصد ما كان يرتكبه رجال الميليشيات وتالياً رجال الحركات الإسلامية المتشددة من أفعال شنيعة ، حين كانوا يطلقون النار عشوائياً على الأطفال والنساء من سبيل المزاح واللهو ، ويحرمون المواطنين من أبسط حقوقهم الإنسانية ؛ الموسيقى حرام ، والسينما من عمل الشيطان ، والنساء يجب ألا يختلطن بالرجال .
يحدّثنا الكاتب عن تاريخ بلاده البعيد أيضاً ، عن جغرافيتها ، عاداتها ، طقوسها ، أعراسها ، عشائرها المتناحرة ، لكناتها ؛ عن مدنها وأنهارها ، عن حكاياتها الشعبية ، أساطيرها . يروي لنا بأسلوب سلس ، متدفق ، وآسر عمّا رسخ في باله من ذكريات مريرة وموجعة ، عن الجفاف الذي قتل الزرع والضرع ، عن المرأة التي لم تشأ أن تترك جثة ابنها القتيل في قارعة الطريق فتنهشها الكلاب ، وعمّا حكته أمه عن البادية ، حيواناتها وأعشابها الطبية ، وعن جرأة أبويه وأجداده في مقاتلة الضِباع والأُسود . وهو لا يكتفي قطعاً بهذا فحسب ، بل يحكي لنا بلغة جميلة وأسلوب شيّق يقطع الأنفاس ، عن الجوع والخوف والعطش والإعياء الشديد وشح الأدوية وانعدام الحريات والتجنيد الإجباري وأوجاع النزوح الداخلي في وطنك الأم ، وإذلال اللجوء إلى بلد مجاور ؛ عن جور الشرطة وفسادهم ؛ عن ولعه بالسينما والثقافة الأمريكيتين .
ويحدثنا كذلك عن استلهامه شجاعة وقوة أمه التي أصرّت على أن تحافظ على حياة أبنائها الأربعة إبان أحلك الظروف ؛ عن دعم وتشجيع أصدقائه الأمريكيين ، وعن الحظ الذي حالفه أخيراً في الوصول إلى الولايات المتحدة . يقول المؤلف إن بمستطاع المرء أن يزاوج بين عالَمين وثقافتين : ” إني أعرف أنه بإمكان المرء أن يستمتع بحليب النوق والديمقراطية معاً ، أن يطارد الظِباء الصغيرة عبر البادية وأن يتوقف أيضاً عند علامات المرور الحُمر” . إنها حقاً مذكرات جديرةٌ بالقراءة والتأمل عبر سردٍ قوامه التشويق والترّقب ونابع عن تبّصر عميق ورؤية إنسانية ثاقبة .
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب